مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
يدافع الكثيرون عن المنصات الرقمية التي انتشرت كثيراً في السنوات الأخيرة تزامناً مع طفرة تقنيات التواصل والثورة الرقمية، باعتبارها تقدم خدمات فنية وترفيهية متقدمة جداً وبعيداً عن الرقابة والجمود، ما جعلها وفي زمن قصير تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة، كما يرون أنه ليس من مهام هذه المنصات أن تضطلع بمهام تثقيف الناس ونقل التراث الأدبي العظيم بين أيديهم، فهذه المنصات لها أهدافها التجارية المعروفة!
والحقيقة فإنه ما من أحد يجهل توجهات هذه المنصات التي يشكل الترفيه أساس عملها، باعتبار أن ذلك الترفيه هو أقصى احتياجات الناس من وجهة نظر القائمين عليها، إضافة إلى أن كثيراً من أساتذة الاتصال الأمريكيين يؤكدون أن التلفزيون اخترع ليكون وسيلة ترفيه لا وسيلة ثقافة، و«نتفلكس» ولدت من رحم هذه النظرية!
لذلك فنحن لا نحمل «نتفلكس» مسؤولية تثقيفنا، لكن أحداً لا يمكنه منعنا من انتقاد أي مادة تقدمها لنا لا تتفق مع معاييرنا، أو تتعارض مع قيمنا ونظرتنا للفن والأدب، فطالما أننا ندفع مقابل ما نحصل عليه من خدمة، فمن حقنا أن نبدي رأينا في مستوى الخدمة، خاصة أن الأدب العالمي منجز إنساني ضخم لا يجوز العبث به!
إن القائمين على «نتفلكس» يسعون إلى جذب المشاهدين عبر تقديم محتوى يركز على الإثارة والتشويق، حتى لو كان ذلك على حساب الإبداع الأدبي، وبدلاً من تقديم الفلسفة المعقدة والصعبة والمليئة بالغموض والرمزية كما هي الرواية، وجد المشاهد نفسه أمام مسلسل مليء بمشاهد درامية مثيرة تسعى لتلبية توقعات الجمهور العادي، الذي يتعامل مع الأدب كما لو كان وجبة سريعة يمكن استهلاكها دون أن تترك أثراً طويلاً.
التحول الدرامي للأعمال الأدبية قد يكون خطوة مثيرة للاهتمام إذا ما تم تنفيذه بحرفية وتفهم عميق للأدب، لكن المسلسل فشل في تقديم تلك المعادلة. فإذا كان العمل الأدبي يشكل مصدراً لطرح تساؤلات فلسفية ومعنوية حول الحياة، فإن المسلسل لم يحقق ما هو متوقع ومعروف عن أدب ماركيز.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل كان من الأفضل أن تظل «مائة عام من العزلة» مجرد رواية أدبية خالدة بدلاً من أن تتحول إلى عمل درامي؟
المصدر: البيان