عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

سر الكتابة وسر الطبخة!

الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠٢٤

يقول الكاتب البريطاني نيل جايمان: «الكتابة تشبه الطبخ كثيراً، أحياناً لا تنفش الكيكة التي تعدها مهما حاولت، لكن من وقت إلى آخر ستجد أن طعم كعكتك أحلى من كل توقعاتك وأحلامك بها»! ولقد أصاب الهدف تماماً، وعليه ليس غريباً إذا سمعت صحفياً يحدثك عن مطبخ الجريدة، باعتباره المكان الذي يضم كبار الصحفيين من أهل الحرفة والخبرة، حيث تتخذ القرارات الخاصة بكل ما سيظهر في الجريدة صباح الغد. لذلك فمن الملاحظ جداً براعة الكثير من الكتاب والصحفيين في فن الطهي، وشغفهم به والتفاتهم الدقيق لمضامين وتفاصيل الوصفات، الخلاصة إذن: إن الكتّاب يطبخون كما يكتبون تماماً، لأن الكتابة عندهم تشبه الطبخ كثيراً، ولكلا الفنين أسرار ومعادلات لا يعرفها إلا أصحابها! يؤكد الكاتب المصري محمد عبدالنبي في كتابه «الحكاية وما فيها» أن أي شخص يهتم بالكتابة لا بد أن يكون مهتماً بالطبخ كذلك، ولو على سبيل الفضول، لأن إنتاج طعام طيب وشهي ومفيد لا يبتعد كثيراً عن إنتاج عمل فني طيب وشهي ومفيد! ولعل الكاتبة المكسيكية «لاورا إسكيبيل» أشهر من زاوج بين الكتابة الروائية وفن الطهي في روايتها الشهيرة «كالماء للشيكولاته»، وكذلك الروائية المعروفة «إيزابيل الليندي» في كتابها «أفروديت»، الذي تحدثت فيه كاختصاصية عن فن الطعام وتأثيراته على الجسد والمزاج والميولات الشخصية. وكما لا يمكن للكاتب أن يكتب مقالاً أو رواية عظيمة في…

الصيف والمعارك والكهرباء

الإثنين ١٥ يوليو ٢٠٢٤

أفتح صفحات أصدقائي على الفيسبوك، أو على منصة إكس، فأجدهم إما غارقون في خلافات ومعارك عبثية، يسمونها خطأ خلافات ثقافية، أو أنهم يشتكون ويتذمرون من كل شيء تقريباً: ارتفاع الأسعار، انقطاع الكهرباء، الكلفة الباهظة لقضاء العطلة، الزحام، ضغوطات الحياة، يشتكي الرجال من طلبات النساء، والنساء يشتكين من سلبية الرجال وتحرشاتهم، الآباء والأمهات يشتكون من ضغوطات امتحانات الثانوية على أبنائهم، وتعقيدات التقدم للجامعات، الأبناء متمردون دائماً، و.. وهكذا كل يغني على ليلاه! أما أصحاب الخلافات الثقافية، التي تعكس صراعات شخصية في الأساس، فإنهم يُذكّرونني بعبارة تنسب للروائي «غارسيا ماركيز»، الذي يقول: «عندما لا تكون السياسة ممكنة، تحوَّل إلى الثقافة»، ما يعني أن كل خلاف أو معركة ثقافية، هي في أصلها محاولة للوصول إلى مطالب واحتياجات وانتقادات ومعارضات وأهداف سياسية، فشل أصحابها في الوصول إلى ما يريدون، فتحولوا بها إلى الثقافة، لتكون المعارك بذلك محاولة تنفيس لمآزق سياسية ليس إلا، وباختصار، كما قال ماركيز (ما لا تستطيعه في السياسة، حققه بالثقافة)! أما فريق المتذمرين في هذه الأيام، التي تشهد معدلات فلكية لارتفاع درجات الحرارة، فإن تذمرهم الأساسي مرده للطقس، للحر اللاهب، خاصة في تلك المدن التي تشهد ساعات انقطاع طويلة للتيار الكهربائي! والحق، فإنني ألتمس العذر لهؤلاء في تذمرهم وغضبهم، ذلك أن معدلات الحرارة التي تشهدها الأرض، تجعل الحياة لا تطاق في…

الحروب.. لماذا؟!

الأربعاء ٠٣ يوليو ٢٠٢٤

ما الذي تعنيه مفردة الحرب، وأن يعيش الإنسان في حالة حرب؟ أن تُشن عليه حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، حيث يصبح ويمسي طوال عمره في مرمى الموت، فلا يتذكر من طفولته ومراهقته وشبابه وحتى كهولته إلا الحرب وأثرها، الحرب هي القنبلة التي تدمر كل شيء تماماً ظاهراً وباطناً! إن الحرب سلوك وحشي لجأت إليه معظم شعوب العالم في جزء أو مرحلة من تاريخها، إما مضطرة أو متعمدة، سواء في الماضي أو الحاضر، عندما كانت الحرب مبررة لسبب امتلاك القوة الغاشمة، أو عندما كان الناس يعيشون ضمن مجموعات صغيرة أو قبائل متنقلة ومتناحرة تتقاتل لتوسيع أملاكها وطمعاً في موارد الطبيعة التي بيد الآخرين! عندما كوّن الإنسان دولاً وممالك وإمبراطوريات عظمى لم يتوقف ولم يكتفِ، بل على العكس تماماً، كان شرط بقاء هذه الإمبراطوريات أن تغزو وتتوسع وتهيمن وتخضع الآخرين، حتى إن بعض المؤرخين نظروا لفترة التوسع والانتصارات باعتبارها مرحلة القوة والازدهار في تاريخ تلك الدول. إذن، فالكل حارب، والكل تعرض للاعتداء وفرضت عليه الحرب فرضاً! كان الإنسان طوال تاريخه ولا يزال بين حالين: إما ذئباً يفترس بوحشية، أو شاة تُلتهم باستكانة، لذلك فغالباً ما تطمح الشاة لأن تصبح ذئباً ذات يوم، وتخوض حربها هي الأخرى، وهو ما عبر عنه الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله عندما قال: «لم يخلق…

«عمر الغريب»!

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤

أول الأسئلة التي ألحت علي وأنا أسبر غور هذه الرواية التي تذكر بأفلام الإثارة النفسية، يخص الأثر والتأثير، فمن يأتي قبل الآخر: هل يتصرف الشخص بوحشية وسادية لأنه ولد مجرماً في أصله؟ أم أن الظروف القاهرة والتعديات التي يتعرض لها هي ما تخلق منه وحشاً في نهاية المطاف؟ هل نأتي للدنيا محملين بالأخطاء والخطايا مخبوءة في حاوياتنا الجينية؟ أم أن الدنيا تتلقانا أنقياء أبرياء وهي من تصوغنا كما تشاء؟ أم أن إرادتنا من تتكفل بمصائرنا؟ هذه أسئلة كبيرة وقديمة جداً طرحها الفلاسفة والحكماء ورجال الدين وأطباء ومنظرو علم النفس ولا يزالون، وهي ما تدور حولها رواية «عمر الغريب» للروائية المغربية سلمى مختار أمانة الله، الصادرة عام 2022، والتي تصدت فيها وبذكاء لرسم شخصية البطل بلغة شاعرية مثيرة للإعجاب (أفرطت فيها أحياناً) دون أن تتورط مباشرة في عملية التفكيك أو التبرير، تاركة لقارئها حرية أن يطرح أسئلته ويرى الحكاية بمنظور فكره وتوجهاته! لم تلجأ سلمى (كروائية) لتقنية الراوي العليم الذي يعرف كل شيء ليحكي لنا مسيرة عمر مذ كان طفلاً جاء الحياة نتيجة غلطة، فألقته أمه على باب أحد المساجد متخلصة من ذنبه لتضعه بين يدي رجل فقيه سيضع ابنها على طريق الله القويم فينقذه (أو تنقذه هي كما ظنت) من مآلات كارثية لو بقي عندها، فخيب آمالها ودمر حياة عمر،…

أن تعيش مراقباً!

الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠٢٤

يعتبر القلق واحداً من المشاعر البغيضة، التي تسمم حياة الإنسان أينما كان، لأن القلق كالاكتئاب والوحدة والريبة من المشاعر المنتشرة بين سكان المدن المعاصرة، هذه المدن الكبيرة التي بقدر ما تشغلها فكرة التطور وجودة الحياة ورفاهية الفرد، بقدر ما يتخبط سكانها في دوائر من القلق، والعزلة، والاغتراب، والريبة إزاء الآخرين، والوحدة، والجريمة المخيفة. ولقد ثبت من تحقيقات الشرطة أن اضطراب الشخصية الحاد، الذي يعاني منه المجرمون في معظم جرائم القتل المتسلسل سببه كوارث التربية في الطفولة أو أزمات العيش في المدن الكبيرة الباردة، وهذا لا يعني أن كل من يعيش في مدينة كبيرة يصبح قاتلاً متسلسلاً، لكن أمراض المدن المعاصرة تصيب الإنسان في مقتل، وخاصة أولئك الانطوائيين، الذين يعانون من الهشاشة، وعوامل النقص المركبة. في الفيلم الأمريكي، الذي تم تصويره في العاصمة الأرمينية بوخارست نتابع حياة الشابة الأمريكية، التي تنتقل من نيويورك لتنضم إلى زوجها في مدينة والدته، تبدو سعيدة في البداية، لكنها سرعان ما تكتشف اتساع هوة الاغتراب والوحدة، ودون تعقيدات حوارية نكتشف اغترابها سريعاً، عبر تخبطها في فهم اللغة والتخاطب بها حتى في أضيق الحدود، ثم شعورها بالضيق لاضطرارها التواجد مع أصدقاء زوجها، الذين يتحدثون لغة لا تفهمها، وتدريجياً تبدأ بالتسكع في المدينة وحيدة، ومع شعور الوحدة لانشغال زوجها طيلة الوقت في عمله تبدأ مأساتها الأخرى. رجل غريب…

التقنية التي رفعت أسهم الصفعة

الأربعاء ١٩ يونيو ٢٠٢٤

يقول الله في قرآنه الكريم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا..) والحكم يمكن تطبيقه قياساً على الكثير من المستجدات التي اختلطت فيها الفوائد بالأضرار حتى ما عاد الإنسان قادراً على أن يجتنبها أم يستخدمها فيما ينفعه ويجتنب منها ما يؤذيه، كمواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي والمدونات والإنترنت... إلخ، ففيها الكثير من المعرفة والثقافة وحرية النقاشات وسرعة الوصول إلى أكثر المعلومات أهمية وسرية أحياناً. لمواقع التواصل الاجتماعي إمكانيات اتصالية هائلة، قادرة على حشد الناس حول موضوع معين وجعله بؤرة اهتمامهم لأيام، وربما لعدة أشهر، بحسب ما يحققه ذلك من مكاسب ومنافع حتى وإن وجد فيه أصحاب نظرية (نظام التفاهة) الكثير من الآثام والمخاطر الأخلاقية والقيمية، إلا أن تلك الميزة التي لم يكن عالمنا العربي تحديداً يتوقعها ربما تمحو جميع السيئات، وأقصد هنا المساحة الهائلة للنقاشات الممتدة وإبداء الرأي بحرية بين أشخاص لا يربط بينهم سوى هذا الإصرار والاهتمام بتوسيع نطاقات حرية التعبير في جهات العالم الأربع وبنفس المقدار. المهم في خبر قيام عمرو دياب بصفع المعجب الذي أراد التقاط صورة معه، ليس في محدودية الحدث، ولكن في عاصفة الآراء التي تعددت وتشعبت وتعدت مسألة لاأخلاقية تصرف المطرب والمعجب معاً، إلى ما هو أكثر، صارت الصفعة بحد ذاتها فضاء سباق كبير يدلي فيه الجميع…

القارئ الأخير!

السبت ١٥ يونيو ٢٠٢٤

في كتاب بعنوان (القارئ الأخير) ترد بعض التساؤلات حول القارئ، ما هو أو من هو هذا الذي نسميه القارئ؟، ما الذي يقرؤه على وجه الدقة ليحمل هذا الاسم أو هذا اللقب؟، ماذا يحدث له حين يقرأ وبعد أن يقرأ؟، من يمنحه الحكاية التي يتباهى بها كونه شخصاً مختلفاً، كونه قارئاً مطلعاً؟، في هذا الكتاب هناك من يقول لك إن قراءة الأدب فقط هي القراءة الوحيدة التي تمنح القارئ اسماً وحكاية، وليس أي قراءة أخرى، فلماذا الأدب دون غيره؟. لأن الأدب معني ومنشغل على الدوام بأسئلة الإنسان الأولى والكبرى حول كل ما يحيطه، حول ما يعرفه وما هو مجهول بالنسبة له، حول الحياة وما خلفها وحول الوجود وأسراره، وحول الإنسان وصراعاته.. الأدب هو الميدان الذي تتبارى فيه المعارف وتطرح على ساحته كل الأسئلة في محاولة قد لا تنجح أحياناً في العثور على الإجابات. ليس من مهام الكاتب أن يقدم وصفات شافية للحيرة وإجابات منقذة من الارتباك الإنساني حيال أسئلة الوجود والحياة، ولكن أعظم مهامه تتلخص في قدرته على التعبير عن هذه الحيرة وهذا الارتباك والتعبير عنها بوضوح دون مواربة أو تهرب، هذا أهم ما يقدمه الأدب للإنسان في كل حالاته وتقلباته، وبذلك يضع الأدب الإنسان في مواجهة نفسه وذاته والواقع والآخر والمخاوف وجميع التحديات، وفي كل ذلك يتخلص الإنسان من كثير…

محاطون بأشخاص مسمومين كذلك!

الأربعاء ١٢ يونيو ٢٠٢٤

ميريل ستريب ممثلة أمريكية تبلغ اليوم 74 عاماً، تعتبر واحدة من أساطير السينما العالمية، كما أنها ممثلة مسرح عتيدة، ظهرت لأول مرة على المسرح عام 1975، نالت جائزة الأوسكار ثلاث مرات، كما رشحت لـ 32 جائزة غولدن غلوب أكثر من أي ممثل آخر، وفازت بها 8 مرات، واختارها النقاد «كأعظم ممثلة على قيد الحياة». في بدايات عملها خضعت ميريل ستريب كأي ممثلة شابة مبتدئة لاختبار تمثيل لبطولة فيلم (كينغ كونغ) 1976، لكن المخرج رفضها كما روت بنفسها (أخبرني المخرج أنني «قبيحة بشدة» على هذا الدور)، شكل ذلك الرفض لحظة فارقة بالنسبة لي، ووضعني أمام طريقين، إما أن انسحب من هذا العالم وأدمر أحلامي تماماً، وإما أن أتشبث بإيماني بنفسي وعزيمتي وإصراري على تحقيق تلك الأحلام، متذكرة كلمات والدتي «ميريل إنك تستطيعين أن تفعلي ذلك». إن أي رأي سلبي كهذا يقوله شخص أحمق لا يفكر في وقع كلماته في نفس شخص يبدأ حياته، ويباشر طريق أحلامه يمكن أن يحطمه تماماً، فكيف إذا قيل لفتاة تحلم بهوليوود «أنت قبيحة جداً»، إن هذا معناه هز ثقتها وإنهاء مستقبلها بالضربة القاضية، لكن ستريب كبحت مشاعرها المتضاربة، وتصدت للمخرج بثقة كاملة! أخذت نفساً عميقاً وقالت له: «أنا آسفة لأنك تعتقد أنني قبيحة بالنسبة لفيلمك، ولكن رأيك هذا مجرد رأي واحد في بحر من آلاف الآراء،…

هل نتعافى بسهولة؟

الأحد ٠٩ يونيو ٢٠٢٤

يعيش الإنسان علاقات متعددة خلال مراحل عمره، وبرغم اندفاعه في بعض تلك العلاقات، وشعوره بأنه سيقضي سنواته الآتية مبتهجاً بها، إلا أن كثيراً من هذه العلاقات تنتهي نهايات على غير ما يشتهي صاحبها، فيعاني تداعياتها لزمن متأرجحاً بين التخطي والتعافي، لكنه لا يسلم من النصائح والمقولات، التي يتبرع بها الكثيرون!. واحدة من هذه المقولات التي تحتاج لأن نتوقف عندها قبل أن نطلقها على مسامع الآخرين بلا مبالاة: (كي تنسى علاقة عليك أن تبدأ بأخرى، أو داوها بالتي كانت هي الداء) فلو أن المتحدث استمع إلى نفسه وهو يقول ذلك، ولو أنه طبق ما يقول على نفسه، لو أن القلب قلبه والداء داؤه، والمعاناة التي يكابدها الآخر هي معاناته ومكابدته، لكان فكر كثيراً وطويلاً قبل أن يتفوه بما قال!. في فيلم بعنوان «عمر أدالين»، والذي قدمته هوليوود عام 2015 من بطولة النجم العالمي هاريسون فورد، تعود الفتاة أدالين للظهور في حياة حبيبها وليام بعد سنوات طويلة من الغياب، وقد أصبح في عمر جدها، بينما هي لا تزال في معية الصبا، هي لا تتذكره نهائياً، وهو الذي كان يظن أنه نسيها، وتخطى تلك العلاقة يكتشف أنها لا تزال هناك، تلك الفتاة الجميلة، التي كانت حبه الأول منذ خمسين عاماً!. هل كانت أدالين تمثل الجسد الآدمي أم العاطفة والمشاعر التي هي خارج المقولات…

الأعشاب الجافة

الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠٢٤

يخيل لبعضنا وهو يتابع الأحداث البطيئة، التي تقارب حد الملل أحياناً أن بإمكان أي منا أن يكتب شيئاً كهذا الذي يدور في أحداث الفيلم التركي «عن الأعشاب الجافة» والقائم على يوميات بسيطة لمعلمي مدرسة وحوارات مستمرة بينهم تتطور بتطور أحداث الفيلم لكنها لا تنقطع. فكرة أن نقرأ رواية بسيطة أو نشاهد فيلماً يرتكز في أساسه على حكاية أو حكايات عادية، فتساورك فكرة السهولة الساذجة التي تصور لك أنه بإمكان أي أحد أن يكتب شيئاً شبيهاً بهذا الذي يراه، فكرة بقدر ما تنم عن استهانة بالسينما وصناعة الفيلم الجيد، إلا أنها تدل في الوقت نفسه على نجاح صناع الفيلم في اختراق عقل وقلب المشاهد، وتجسير المسافة بين المعاني الفلسفية العميقة وبين المشاهد عبر الحوارات العادية. إن تكرر هؤلاء المعلمين ضمن مشاهد الحوارات الطويلة إشارة واضحة إلى خطورة دور الفرد في التغيير، انطلاقاً من المدرسة، وباستخدام الفن والمواجهة وعدم الاستسلام، وإن وجود حرس الأنظمة الذين يصرون على تطبيق النظام كما يكرر المشرف في المدرسة إشارة كذلك على دور حراس المنظومة في التضحية بأي شيء لأجل الإبقاء على الوضع كما هو عليه حماية لمصالحهم. إن مشهد الشتاء المخيم، والثلج الذي يلف كل شيء، الصعوبة التي يتحرك فيها المعلمون، انقسام المجتمع إلى حماة للعادات وآخرين يدفعون ثمن الإصلاح، العرج الذي تعاني منه المعلمة يسارية…

من الذي يحدد مكانك؟!

السبت ٠١ يونيو ٢٠٢٤

تأملت كثيراً في موقف أحدهم خلال أحد المنتديات التي تواجدت فيها، وبقدر ما أضحكني الموقف، فإنه أحزنني في الوقت نفسه، فقد بدا لي ذلك الشخص متباهياً بشكل لافت وهو يغادر كرسيه ويعود أكثر من مرة دونما سبب ظاهر، إلا أنني ربما كنت الوحيدة التي أعلم السبب، كان يبدو وكأنه يقول أنا هنا! ولكن بلغة جسده لا بالكلمات. نسيت أن أنوه بأنه كان يجلس في مقدمة الصفوف الأمامية المخصصة لكبار الضيوف، كما فاتني أن أنوه كذلك بأن الرجل لم يكن علامة بارزة في أي مجال قبل سنتين أو ثلاث، قبل أن يغامر بالدخول في جوقة مشاهير السوشال ميديا وله مئات الألوف من المتابعين! كنت على اطلاع بأنه يتردد على أحد كبار الصحفيين راغباً في أن يصبح كاتباً، وقد كانت لديه بضع محاولات في الكتابة، إلا أنها محاولات ساذجة، حيث لا يمتلك أية موهبة في هذا المجال، إلا أنه في كل مرة ترفض فيها كتابته كان يقول: إنهم يرفضونني لأنني مواطن، لا يريدون شخصاً ينافسهم، وإنهم خائفون على كراسيهم.. إلخ من هذا الكلام الذي لا علاقة له بالواقع. لقد كان يبحث عن مكان تحت الأضواء، عن الشهرة والتواجد وسط المشاهير، عن النجومية التي تمنح صاحبها هذا الضجيج الذي يملؤه بالاعتراف بلا شيء، فما يقدمه اليوم رغم آلاف المتابعين، عبارة عن ساعات كاملة…

ماذا أريد من الكتابة؟

الأحد ٢٦ مايو ٢٠٢٤

في مقال الأمس حول الكتابة باعتبارها طريق عبور لمعرفة الذات، كنت أتعرض لوجهة نظر صديقة عبرت عن علاقتها بالكتابة على مدى سنوات، انتهت إلى مرحلة نضج حقيقية في هذه العلاقة، بحيث تحولت أي كتابة عندها لحفر حقيقي في دواخل نفسها. وحتى لا تبدو الكتابة في هذا السياق منطقية، كان لا بد من الحديث عن علاقتي الشخصية بالكتابة بعد هذه السنين الطويلة، وهذا في الحقيقة ما وصلني من أكثر من قارئ تساءلوا في رسائلهم: كيف تنظرين للكتابة؟. أؤمن أن اكتشاف الذات في الكتابة هو جوهر كل كتابة حقيقية منتمية لكاتبها، وهذا ليس بالأمر البسيط أو الذي يمكن تحقيقه ببساطة أو بمجرد مباشرة الكتابة، لأن اكتشاف الذات عملية مركبة وطويلة المدى لا تنتهي حتى انتهاء العمر، ومع استمرار الكتابة تقوى الذات باكتشافها، ويلتئم الكثير من جروحها، فتتحول الكتابة لحظتها إلى هوية، ومقاومة، وحفر مستمر لا يهدأ. حين نصل في كتابتنا لهذا المستوى تتحول إلى حالة استحقاق ومصير لا يمكنك التفريط فيه بسهولة، فلا تعود في منطقة الهاوي الذي يعبر عن هواية أو موهبة، تغادر منطقة السذاجة هذه بشكل نهائي. تضيؤك الكتابة حين تمنحك النضج، والامتلاء، التحقق، والقوة، الشهرة والمكانة، الاحتفاء والتقدير، وكل ذلك حفرته أنت في معية الكتابة على مدى سنوات، لذلك فأنت تستحق ما وصلت إليه، لأنك حققته بصبر واحتمال ودأب…