الأحد ١٥ يناير ٢٠٢٣
تساءل أحد الكتاب على صفحته في تويتر: (ماذا لو مزقنا كل الصفحات الدموية السوداء من تاريخ العالم، وركزنا على الصفحات السعيدة المشرقة.. هل سيساهم ذلك في التخفيف من مشاعر الكراهية والعداء التاريخي بين الأمم؟). إنه سؤال البحث عن مخرج من مأزق الإنسان الأكبر، السؤال الذي طرح وبمقدار ملايين المرات وسيطرح دائماً، وهو دليل على أمرين، الأول: وعي الإنسان الثابت بأن الكراهية صفحة سوداء في تاريخه لم تؤسس لغير الدمار، وثانياً: الإيمان بأن السلام والخير هما الحل والمخرج رغم صعوبته. فهل تمزيق الصفحات السوداء لتاريخ العداء والكراهية والحروب.. الخ، من الذاكرة الإنسانية حل منطقي ممكن التطبيق؟ هل يمكن للإنسانية اليوم أن تمحو جزءاً ضخماً من تاريخها المدون والشفاهي والمتوارث والمحفوظ في الكتب والمخطوطات والمتاحف والأعمال الدرامية واللوحات الخالدة والأساطير؟ على سبيل المثال: هل يمكن لسكان أمريكا الأصليين وسكان أستراليا أن ينسوا ما فعله الرجل الأبيض وهو يستولي على أراضيهم؟ علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والحضارات والسياسة يجزمون بأن التاريخ تأسس على منطق الغالب والمغلوب، وأن الحياة مستمرة بمبدأ التدافع والصراع، ولولا ذلك ما قامت حضارات وما تأسست أمم وإمبراطوريات، ولما اندفع الناس للتعمير والبناء والاختراع.. الخ، فالتنافس يولد الصراع والصراع يقود فيما بعد إما إلى هزيمة وإما انتصار! المشكلة أو الحقيقة الأكيدة هي استحالة تجنب الصراعات، فالحياة مليئة بالمشكلات، فأنت تتصارع منذ كنت…
السبت ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢
حين قرأ الكاتب الأمريكي بول اوستر ما جاء في رسالة صديقه كوتزي حول الصداقة وغموض اشتراطاتها، كتب له رداً أوضح له فيه موافقته على ملاحظاته، مؤكداً له بالدليل ومن واقع حياته وعلاقاته أن قلوب الرجال صناديق مغلقة بالفعل، وأنهم من النادر أن يبوحوا بمشاعرهم لأصدقائهم، فيقول إنها عادة الأصدقاء الرجال في الغرب، وربما تكون عادة الرجال في صداقاتهم في كل مكان! لقد فوجئ بول اوستر بصديقه المقرب جداً وهو كاتب أمريكي معروف كما يذكر، يرسل له بالبريد نسخة من مخطوطة كتابه الأخير ليقوم بقراءتها وإبداء الرأي فيها كما اعتاد دائماً قبل أن يدفعها للنشر، ما فاجأ أوستر أن صديقه قد جعل إهداء الكتاب له دون أن يقول له ذلك أو يبدي له ما يوحي بهذه العاطفة القوية. يقول اوستر: (ما أحاول إخبارك به هو أنني أعرف هذا الرجل ولا أعرفه، إنه أعز أصدقائي برغم أنني لا أعرفه، إذا ذهب غداً فسطا على بنك ستكون صدمة لي، وإذا خان زوجته فسأشعر بالإحباط، كل شيء وارد، لأن للرجال أسرارهم التي يكتمونها حتى عن أعز أصدقائهم، لكنني سوف أتأذى لأنه لم يأتمني، بما يعني أن صداقتنا لم تكن بالمصداقية التي كنت أفترضها). الغريب أن في مطلع رسالة (الصداقة والصديق) لأبي حيان التوحيدي، ترد محادثة لطيفة بين التوحيدي وأبي سليمان محمد بن طاهر السجستاني…
الثلاثاء ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢
«القوة الفائقة للخطأ» يبدو المصطلح غريباً أو صادماً بعض الشيء، نعم، لكنه صحيح تماماً، ومهما أظهر البعض اندهاشه من أن يصبح للخطأ هذه القوة إلا أن الواقع يقول العكس تماماً، فللخطأ أحياناً كثيرة قوة لا نتخيل حدودها وتمددها وسيطرتها على الأفراد والجماعات، حتى أننا نقف حائرين في القوة الخفية التي تمنح هذا الخطأ هذه القوة على البقاء والاستمرار رغم إجماع الكل على خطورتها. إن الوضع الذي نراه أمامنا أو الموقف الذي يحصل أو الحالة التي نعاينها وتكون خاطئة بشكل واضح لا جدال فيه، يمر أحياناً مرور الكرام ويغض الطرف عنه بشكل مثير للريبة: كحارس متحف سرق قطعة أثرية منه وبقي مكانه، وكرجل مؤتمن على جمع التبرعات في مؤسسة خيرية يستولي على الأموال دون مساءلة، وكمسؤول في دار للوثائق يهرّب مخطوطات للخارج وقد شوهدت وهي تباع بالفعل وتختفي بشكل نهائي بينما يحتفظ هو بعمله، وككاتب يثبت تورطه في شراء مقالات وقصص وينشرها باسمه بينما يستضاف في المؤتمرات والندوات بكل بساطة.. إن أمثلة كهذه لا تعد ولا تحصى. هذه مجرد نماذج لا أكثر، لأخطاء وتجاوزات شائعة في كل مكان من العالم، ومثلما يمثل الفساد خطراً شرساً لأي إدارة ولأي دولة ومجتمع، فإن القائمين على حراسته يمثلون الخطر الأشد شراسة، وهؤلاء ينتشرون ويتمددون بأكثر من شكل في المؤسسات تحديداً، هؤلاء الذين يرون الفساد…
الإثنين ١٢ ديسمبر ٢٠٢٢
«علمتنا الأيام وعلمناها أن المستحيل وجهة نظر، وأنه لا يوجد حدود للتميز في السباق نحو الريادة، كما علمتنا وعلمناها أن الرؤية الواضحة والعزيمة القوية والرجال المخلصين يستطيعون تحويل الحلم إلى حقيقة».. هذه واحدة من أهم وأجمل ما قاله الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الرجل الذي يصفق لكل إنجاز فردي أو جماعي، إماراتي أو عربي، مؤكداً بثقة أن «المستحيل ليس عربياً»، و«كلمة مستحيل ليست في قاموس دولة الإمارات». على هذه الرؤية الطموحة جداً، والسباقة بما لا يمكن اللحاق بها بنت دولة الإمارات برنامجها الطموح لاستكشاف الفضاء بدءاً بالمريخ، الذي تابعناه وتابعه العالم، واليوم إلى القمر، وغداً إلى ما هو أبعد وأكثر نفعاً للإنسانية، فقد أطلقت الإمارات المستكشف راشد للهبوط على سطح القمر، لتكون بذلك الدولة الرابعة عالمياً والأولى عربياً التي تهبط على سطح القمر، في رحلة طويلة تستغرق حسب الخبراء ما يقارب خمسة أشهر، ما يعني أن المستكشف راشد سيصل إلى هدفه في شهر أبريل من العام المقبل 2023. المستكشف راشد جزء من برنامج فضائي طموح لدولة الإمارات، كما أعلن الشيخ محمد، وهو برنامج بدأ ولن يتوقف، لأن الإمارات ماضية بكل جدية نحو كسر حاجزين؛ حاجز انعدام الثقة في الإرادة والإمكانات العربية، والذي تسبب في سجل حافل من التردد والغياب العربي الكامل عن هذا المضمار عن المشاركة في المنجز الفضائي…
الإثنين ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢
لو لم يكن لكرة القدم من فائدة أو قيمة كما يرى البعض فيكفي أنها تؤسس لهذه الحالة من السعادة، والمشاركة لا تتكرر، وهي حالة يسعى لها الناس منذ خلقهم الله، هذه الحالة الإنسانية، التي تدور أسئلة الكثيرين وبحثهم عنها دائماً، ويرون بأن الحياة تفقد معناها تماماً حين يعجز الإنسان عن أن يحظى بها أو يمارسها، فيفقدها بسبب نمط المعيشة أو تغير ظروف الحياة والعلاقات الاجتماعية، فتأتي كرة القدم لتستثير في الناس ألف شعور وشعور من البهجة، وسط انفعالات إنسانية متفاوتة، ومتدفقة بعفوية لا مثيل لها، ولا يمكن ضبطها. يحب مشجعو كرة القدم مشاهدة المباريات الحاسمة والمصيرية لمنتخبات بلدانهم أو الفرق، التي يشجعونها، ضمن مجموعة من الأصدقاء يتشاركون الجلوس في أمكنة خاصة أو بعض المقاهي المفتوحة، فيتحول الحماس الذي يملأ قلب اثنين أو ثلاثة إلى موجات متدفقة، تنتقل إلى الجميع، معبرة عن نفسها بالصراخ والتصفيق والضحك الهستيري والعناق العفوي، هذا التشارك العاطفي الجماعي هو أحد أكثر تجليات الترابط الإنساني، الذي يسعى له الناس في الحياة المعاصرة، وفي كل الأوقات. ما من لعبة أو رياضة لديها هذا المستوى من الاستحواذ على عواطف الناس، وهذا الحضور الشعبوي على امتداد الكرة الأرضية، ومن هنا يكتسب مونديال كأس العالم أهميته ورونقه واهتمام الإعلام، ووكالات الأنباء والجماهير وحتى الحكومات بنتائجه ولاعبيه، ولهذا يتحول لاعبو كرة القدم…
الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠٢٢
لا يشكن أحد في أن السخرية معنى واسع جداً، ولا نهائي، فالسخرية ليست معنى ضيقا وبسيطا كما قد يعتقد البعض، بل هو معنى متعدد وشمولي، يصل إلى حد التناقض أحياناً بمعنى أنه معنى حمّال أوجه، كيف؟ أولاً لأن السخرية سلوك منبوذ، بل ومحرم، فكل الأديان والمبادئ والتوجهات التربوية تنهى عنه، وتحض على تجنبه، كما في ديننا (لا يسخر قوم من قوم). والسخرية تيار فني عظيم الأثر، لجأت إليه مسارح وفرق فنية كبيرة، لتعبر عن مواقفها المعارضة: السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، بشكل يجعلها تقول رأيها بحرية، وفي نفس الوقت تكون في مأمن من العقوبة! وهذا ما يطلق عليه علماء السلوك السياسي «المقاومة بالحيلة». لماذا نسخر؟ عادة لأن هناك ما لم يعجبنا، أو لأن لدينا موقفاً أخلاقياً من أمر ما، ليس بالضرورة أن نكون محقين حين نسخر، فقد يسخر قوم من قوم، وأطفال من أطفال، ونساء من نساء، يكونون أفضل منهم، لكن لماذا كل هذا التحريم للسخرية؟ فالدين يعده إثماً، والنظام الاجتماعي يعده تنمراً، أما أخلاقياً فهو سوء أدب؟ لأن السخرية مدمرة، وجالبة للكثير من المآسي للشخص، الذي يتعرض لها. من زاوية أخرى فقد منعت السلطة رواية ميلان كونديرا «الضحك والنسيان»، لأنها تسخر من الحكم الشيوعي يومها، واعتُبرت روايته النوفيلا «حفلة التفاهة» حفلة سخرية ضد ستالين، وفي المجمل فإن الأدب قد…
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠٢٢
بودي أولاً أن أشير إلى علامتين مضيئتين، كانتا سبباً في تفكيري في موضوع التفاهة: الإشارة الأولى رواية للكاتب التشيكي ميلان كونديرا، بعنوان «حفلة التفاهة»، وهي رواية من النوع القصير، الذي يعرف بالنوفيلا، والإشارة الثانية كتاب في غاية الأهمية للفيلسوف الكندي آلان دونو، بعنوان «نظام التفاهة»، حيث شكل مفهوم التفاهة الموضوع الرئيس للكتاب، والذي يعني كما حاول الكاتب شرحه ونحته: كل ما ومن هو ناقص الأصالة والكفاءة والقيمة.ولقد أثار الكتاب منذ صدوره الكثير من النقاشات، كونه يتناول موضوعاً ماساً بحياة واهتمامات الجميع، فمن ذا لم يتساءل يوماً إزاء ترقي زميل متوسط النباهة والأداء: لماذا تم اختياره هو تحديداً للترقية؟ كما أن الكتاب يتناول أسئلة القيم وسيادة السطحية بين الكثيرين، وحالة الرداءة السائدة في إنتاج الأشياء وإنتاج الأفكار معاً! هناك ميل شديد للرداءة، وابتعاد عن الجدية والصرامة، وهناك تخلٍ متقصد عن شروط الجودة ورفعة الذوق، التي كانت تصف معظم الأداءات الإنسانية فيما سبق، في إنتاج الفن والسينما والسيارات والأزياء، والمسلسلات التلفزيونية، والفلسفات الفكرية، وصولاً لأنماط ارتداء الثياب، والتعاملات بين الناس في الشارع وفي الأسواق والمقاهي، لقد أصبحت الأمور وكأنها خارج التقييم، أو كأنها لم تخضع لشروط دقيقة قبل السماح بممارستها أمام الناس! يحدث ذلك وأكثر في كل مكان في العالم للأسف، حتى صار الإقدام على أي فعل أو فكر رديء محل ترحيب…
الأحد ٢٣ أكتوبر ٢٠٢٢
لكل شخص ما يناسبه من الكلام، ولكل إنسان ما يليق بمقامه من القول والتصرفات، وكما للأشخاص مقاماتها، فللأمكنة والمناسبات حرمتها وطبيعتها وقواعدها، فالتصرف الذي يستحسن في بيتك وبين خاصتك، يصبح مستنكراً إذا قمت به على الملأ، وأمام أعين الناس، حتى وإن كنت لا تقصد، وفي حياتنا العادية واليومية، فإننا مع أصدقائنا وإخوتنا نتصرف ونتحدث بطريقة لا نتصرفها أمام آبائنا وأمهاتنا، احتراماً وتقديراً، لذلك يقول إخوتنا في مصر (كل وقت وله أذان)، ونقول نحن في عاميتنا (كل ناس لها ناس، وكل ثوب وله لبّاس)، أي لكل مقام مقال. هذا من أهم ما يعلّمه الأهل لأبنائهم، وما يفترض أن تغرسه المدرسة في سلوك الطلاب، وعليه، فليس هناك ما يمكن أن يجعلنا نعترض على ذلك، تحت أي ذريعة أو حجة، كلنا نفهم أننا حين تكون في طابور تخرّج، أو حفل تكريم، أو في حضور شخصية رسمية، أو في متحف مثلاً، أو في مأدبة عشاء تضم أسماء ورموزاً معروفة، فإن الإنسان، صغيراً كان أو كبيراً، يتحرك وفق قواعد المناسبة وآداب المكان، سواء أعجبنا ذلك أو لم يعجبنا، فالأمر مرتبط بالأصول والنظام، لا أكثر. لا يستطيع أي إنسان أن يخترع سلوكاً خاصاً به، مخالفاً للتعليمات المتبعة، حباً في أن يغرد خارج السرب، لينطبق عليه شعار (خالف تُعرف)، لأنه في هذه الحالة، ومع النية المسبقة في…
السبت ٠٦ أغسطس ٢٠٢٢
تسأل الزوجة زوجها: قل لي بصراحة: ما الذي جعلك تهجرني؟ صف لي الفتاة التي ارتبطت بها؟ كيف هي؟ هل تعمل؟ كم عمرها … الخ. ثم تعود تسأله وكأنها تحمل نفسها مسؤولية فعلته: هل أخطأت في أنني حاولت أن أتغير لأشبه النساء الذين يحومون حولك؟ هل تغيرت أكثر مما ينبغي؟ ثم تعود متنبهة إلى حقيقة أن زوجها قد هجرها ليس لأنها لم تعد تلبي تطلعاته الخاصة، ولكن لأنه شخص فضل متعته ومصلحته وحريته الخاصة! يقول لي أحد القراء إن سيدة غاية في الجمال حكت له أن زوجها هجرها ليرتبط بامرأة أخرى، وحينما اكتشفت ذلك واجهته، لم ينكر لكنه قال لها ببساطة إنه مل منها ومن الحياة معها، هذه المرأة لم تطلب الطلاق ولم تهجر المنزل، تقول بأنها ليست في وضع يسمح لها بطلب الطلاق، لذلك بقيت وتمكنت من استعادة زوجها، وكما يقول القارئ فقد عبر الزوجان الأزمة وحافظا على زواجهما! فهل عبرا الأزمة فعلا؟ إنها خيانة وليست أمراً عادياً يمكن العبور عليه بسهولة، الخيانة في العلاقات الإنسانية والزوجية تحديداً أشبه بندبة بشعة تظل ماثلة لا يمكن استئصالها ولا نسيانها! تقول الزوجة لزوجها: من قال لك إنني لم أمل منك ومن رتابة الحياة ومشاق الالتزامات والأبناء؟ حتى أنا مللت منك وتعبت، لكن هل هذا يعني أن أخونك؟ هذا بدوره يفتح المجال واسعاً…
الأحد ٣١ يوليو ٢٠٢٢
وصف الناقد الأمريكي أرفنيج هوي الكاتب البريطاني جورج أورويل بأنه «كاتب المقالات الأعظم»، وفي كتاب بعنوان «لماذا أكتب؟» جمعت مجموعة المقالات الطويلة التي كتبها أورويل كتعليقات وقراءات لكتبه ورواياته. وصدرت في كتاب بترجمة علي مدن بعنوان «لماذا أكتب؟». حين طرح عليه سؤال الكتابة هذا على الكتاب قال: بأن جذور تلك الرغبة في الكتاب تكمن في: حب الذات! فالمرء يريد أن يثير إعجاب الآخرين به وأن يبدو ذكياً، وتكمن في الشعور بالجمال والبهجة الناجمين من أثر صوت تلو آخر في إيقاع اللغة، أو في غيرها، ثم في الشوق الملازم للإنسان لاكتشاف الحقيقة والدفاع عنها. وأخيراً تكمن الرغبة في الكتابة في ذلك الحافز السياسي لدفع العالم في اتجاه معين يعتقد صاحبه أنه الاتجاه الصحيح. «لماذا أكتب؟» واحد من أجمل الكتب التي يمكن للكاتب والصحفي والمهتم أن يقرأه، حيث ينظر جورج أورويل للكتابة السياسية باعتبارها فناً، حيث يقول «إن أكثر ما رغبت به هو أن أجعل من الكتابة السياسية فناً»، وهذا ما جعله يتفوق في هذا الفن عبر مقالاته الطويلة ورواياته ذات الطابع والموقف السياسي الواضح وتحديداً روايته 1984. هذه الكتابات هي التي جعلت منه واحداً من أعظم كتّاب المقالات في العالم، وهذا ما يؤكده النقاد الإنجليز إذ ينظرون إليه ويقدرونه ككاتب مقالة أكثر منه روائياً، حيث تحتل المقالة مكانة رفيعة في الأوساط…
الأحد ٠٣ يوليو ٢٠٢٢
كثيرون يعيشون الحياة، كأنهم مجرد مشاهدين يتابعون فيلماً سينمائياً، لا علاقة لهم بأحداثه، مجرد متفرجين لا أكثر، يقولون في دواخلهم «سينتهي الفيلم قريباً، وسنخرج لنندمج في مجاري الحياة في الخارج». لكن الفيلم يطول، ويلتهم كل الوقت المتاح للحياة، أو كأنهم يتدربون على فعل الحياة، كطفل يتهجى خطواته الأولى. هؤلاء يتلصصون على مهرجان الحياة من خلف الستائر، يتشهون مأكولاتها الشهية، لكنهم لا يملكون الثمن! وفي كل حال، فإن هؤلاء يرغبون فعلاً في الحياة، لكنهم لا يعرفون إليها سبيلاً، والحياة معادلة ليست سهلة، رغم أنها متاحة للجميع، متاحة كالأفكار على قارعة كل طريق، لكن الذين أجادوا قراءة فكرة الحياة، وفهموا كيف يحيونها، هم الذين نجوا من السأم والانسحاب والندم بأعجوبة، فأن تتاح لك فرصة الحياة، ثم لا تعيشها، تحت أي ظرف، ولأي سبب، فندم ما بعده ندم! لماذا لا يجيد الكثيرون فهْم الحياة، وبالتالي، يعيشونها كما تستحق وكما يقدرون؟ لماذا يعتقدون دائماً أن لديهم متسعاً ممتداً لها، وبأنهم مهما مر العمر، هناك فرصة لتعويض ما فاتهم؟ وكأن الحياة ستكون متاحة لهم لاحقاً، وفي أي وقت يقررون، وإلى ما لا نهاية؟! لأنهم منشغلون بحيوات أناس آخرين، يعيشونها بدلاً منهم، أبناء، إخوة، أهل، أصدقاء، أهداف كبرى، أحلام مستحيلة، أوهام يجرون خلفها، (سننهي هذه المهمة ونتفرغ لحياتنا!)، هكذا يكررون، لكن الحياة غالباً ما تضمر لهم…
السبت ٢٥ يونيو ٢٠٢٢
ما كادت مصر تشيع جثمان الطالبة نيرة أشرف، رحمها الله، والتي ذهبت ضحية قاتل مجنون كان زميلاً لها في جامعة المنصورة، بعد أن رفضت الارتباط به، حتى ضج الأردن بجريمة مشابهة ذهبت ضحيتها إيمان أرشيد الطالبة في جامعة العلوم التطبيقية الأردنية، وبعيداً عن أن الجريمة مطابقة لما حصل في مصر، أو غير مطابقة، فهي جريمة بشعة ارتكبها رجل مجرم مع سبق الإصرار والترصد، يعتقد بأن له الحق في الاعتداء عليها وقتلها إذا لزم الأمر، إن هي رفضته! يقال إن رسالة إلكترونية أرسلها الشاب لإيمان قبل يوم من قتلها، جاء فيها: «بكرة راح أجي أحكي معك وإذا ما قبلتي رح أقتلك مثل ما المصري قتل البنت اليوم»!! فما الذي يحدث؟ لقد تكرر هذا السؤال خلال الأيام الماضية على لسان الجميع، ورددته أقلام كثيرة في الصحف وصفحات السوشال ميديا، ما الذي يحدث لفتياتنا؟ ماذا دهى الشباب حتى غدا القتل أسهل عندهم من احتساء كوب ماء؟ ما الذي يحدث في الجامعات؟ إن هؤلاء شباب جامعيون؟ يفترض بهم أنهم على درجة من الفهم والوعي، بحيث لا يقبل منهم حل مشكلاتهم وخلافاتهم بالصراخ والضرب، فما بالنا وقد وصلوا لمنتهى الوحشية والإجرام: القتل! إذا لم تقبلي بي سأقتلك! هل سيغدو هذا شعار الشباب في الجامعات، لأن طالباً مجرماً مختلاً فعل ذلك في المنصورة، يصبح مثلاً يقتدي…