ثمة أكثر من معنى خلف الطرافة التي غلف بها إبراهيم القحطاني مقالته في “الشرق” أمس.
ففي “برجر التنمية وبطاطس البيروقراطية” تلخيص لنقاش طويل حول التنمية والديموقراطية: من يسبق من؟ هل تأتي التنمية بالديموقراطية أم تأتي الديموقراطية بالتنمية؟ مشكلة مثل هذا النقاش أنه ينطلق أحياناً من النظرة المثالية لهذه الأفكار المهمة.
لكن إسقاطها على الواقع يصيبك بإحباط شديد، فبعض من ينادي بالديموقراطية إنما يبحث عن “ديموقراطية” توصله هو، دون غيره، للسلطة. فإن أوصلت غيره تصبح -عنده- ديكتاتورية أو كذبة كبرى. وإن أوصلته هو جاءت الخشية -وهي مبررة- من أن يتشبث بالسلطة ويحرم غيره منها. وهنا يأتي السؤال: من الضحية هنا؟ أليست التنمية؟
على الورق، توجد “ديموقراطيات” رائعة، لكنها تتحول إلى أدوات لاحتكار السلطة كما فعل علي عبدالله صالح ويفعل الآن قيصر موسكو. الخشية أن نخرج من المولد بلا حمص.
أي ألا تتحقق ديموقراطية ولا تنمية. وفي الوقت ذاته لا أرى تعارضاً بين التنمية والديموقراطية، فإن تحققتا فذلك المبتغى وإن تحققت إحداهما فذلك أيضاً منجز جدير بنا أن نحرص عليه، أما عن جهوزية المجتمع العربي لأفكار جديدة مثل التنمية والديموقراطية فإني أضرب مثلاً بجهوزية المجتمع لقيادة السيارة قبل ستين سنة.
ماذا لو انتظرنا أن يجهز المجتمع لقيادة السيارة؟ هل كنا سنقود سياراتنا اليوم في مدننا وقرانا؟ أم كنا سنظل نسافر كما سافر أجدادنا على ظهور الجمال والحمير؟ جاءت السيارة وتعلمنا قيادتها. صحيح: كان الثمن -ومازال- غالياً إذ خسرنا آلافاً من أبنائنا في حوادث المرور الشنيعة. ولكننا اليوم بدأنا نهيئ الطرق وننظم السير ونضبط المخالفين.
المجتمع -مثل الأفراد- يتعلم بالتجربة. وكثرة الصدمات و”الحوادث” قد تعلمنا أن نتجنب الأخطاء ونلتزم بالنظام. ومع ذلك وجب الحذر ممن يبيعنا السمك في أعماق البحار!