كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
حين وقف خامس ملوك سومر “جلجامش” أمام مجلس الشيوخ في عاصمته أوروك حوالي عام 2900 قبل الميلاد، سألهم المشورة في قرار بالحرب ضد “آجا” حاكم كيش، مخاطباً إياهم بقوله: (دعونا لا نخضع إلى بيت كيش، دعونا ندكهم بالأسلحة). لم يكن أعضاء المجلس المنعقد آنذاك لجلسة عاجلة “يصفقون” طوال الجلسة للحاكم “جلجامش”، بل ناقشوه بكل ديموقراطية حول منطقية الحرب، وهل تستحق التضحية بشباب أوروك؟ ثم رفضوها ووافقوا على خضوع أوروك لشروط حاكم كيش بسيادته على كل بلاد سومر، الأمر الذي لم يقنع جلجامش القوي الذي يريد أن تخضع كلُّ بلاد سومر بما فيها كيش لحكم أوروك، لكن ما الخيار وقد رُفضت الحرب من قِبل عقلاء مجلس الشيوخ الذي يريد حقن الدماء وعدم الرمي بشباب أوروك إلى التهلكة؟
هنا، وفي حادثة ربما هي الأولى في التاريخ، لجأ الحاكم إلى “الدستور” واستخدم حق “الفيتو”، لنقض قرار مجلس الشيوخ، واتجه إلى المجلس الآخر “مجلس الشباب” أو مجلس العموم، باحثا عن موافقته لإعلان الحرب، لأن قرارا خطيرا كهذا لم يكن فرديا خاصا بالحاكم كما يبدو، بل لا بد من موافقة أحد المجلسين ليصبح نافذا. وافق مجلس الشباب أو مجلس عامة الشعب على الحرب، لكنها لم تحدث لأن “آجا” آخر حكام “كيش” قبل بخضوع عاصمته إلى أوروك من غير حرب بعد أن عرف أن جلجامش عزم على الحرب وبدأ يعد الجيش والأسلحة.
الوثيقة أو اللوحة الطينية المنقوشة بالخط المسماري باللغة السومرية والتي جاء فيها ذكر المجلسين، وأوردها باحث السومريات صمويل كريمر في كتاب “التاريخ يبدأ من سومر” الصادر عام 1956، لم تذكر آلية التصويت في كل من المجلسين، لكن الأرجح أن القرار اتخذ بالإجماع، ولذلك جاء إعلان الرفض في أحدهما والموافقة في الآخر.
حين نتذكر أن بريطانيا في العصور الحديثة لديها مجلسان، مجلس اللوردات ومجلس العموم، والولايات المتحدة فيها كونجرس يتألف من مجلسين واحد للشيوخ وآخر للنواب. وحين نتذكر برلمانات الدول ودساتيرها النافذة.. نتخيل كم كان إنسان بلاد الرافدين متطورا وناضجا في فكره الديموقراطي الذي تمكن بوضعه للدستور من جعل المواطن شريكا في القرار.
الغريب أنه بعد آلاف السنين على حكاية جلجامش ومجلسي الشيوخ والشباب، لم تستفد الأنظمة القمعية من دروس التاريخ بإشراك المواطن في اتخاذ القرار، ولم تستفد من دروس الحاضر بالالتفات إلى تحسين الواقع المعيشي للمواطن، ولهذا حدثت ثورات “الربيع العربي” ضد الطغيان والاستبداد، كي تعيد العجلة إلى المسار الذي رسمه الإنسان منذ خمسة آلاف عام.
الوطن أون لاين (2012-05-16)