د. سليمان الهتلان، الرئيس التنفيذي للمنتدى الاستراتيجي العربي، إعلامي مخضرم، يعكس لقاؤنا معه خبرته المتنوعة في مجلس التعاون والسياسات العربية والشؤون الدولية والاقتصاد الدولي والعولمة، إضافة إلى خبرته الأكاديمية والمهنية العالية. وإلى جانب دوره الحالي في المنتدى الاستراتيجي العربي، فالدكتور الهتلان هو المستشار الرئيس لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، كما أنه عضو في المجلس الأعلى بالمنتدى الاقتصادي العالمي، كما يكتب العديد من الأعمدة الصحفية في عدد من الصحف في منطقة مجلس التعاون ويقدم برنامجه الحواري الخاص على قناة الحرة.
دعي الدكتور الهتلان أوائل هذا العام محاضرا زائرا في القيادات الإعلامية الشابة، الطالبة منى الحمودي من جامعة الإمارات، التقت الدكتور الهتلان وناقشته بصورة شيقة، وكان هذا اللقاء:
س: هل لك أن تعرّفنا بشخصية الدكتور سليمان الهتلان الإعلامي والإنسان؟
د. سليمان الهتلان: إنه رجل يسعى دائما للتعلم من أخطائه وأخطاء من حوله. يؤمن بالنقد كطريقة بناءة لبناء المجتمع، وهو على يقين من أن الإعلام الجديد سيحرر الإنسان العربي من رتابة الخطاب الإعلامي التقليدي القديم، يعرف جيداً أن المستقبل يكون لمن يفكر ويخطط وليس لمن يسكن الماضي ويسجن نفسه في متاهات التاريخ والماضي. هو إنسان يحب الإمارات التي فتحت له الأبواب ليدخل عالماً مهنياً مبدعاً، كما يحب شعب الإمارات الذين يظهرون له الحب دائما ويشجعونه ويقدمون له يد العون.
س: ما الذي جعلك تختار مهنة الإعلام؟
د. سليمان الهتلان: إن حياة المرء ومهنته تتحكم فيها دائما سلسلة من الظروف والمصادفات، في حالتي مثلا، شعرت بانجذاب نحو الكتابة والصحافة وأنا تلميذ صغير، حين أرسلت رسالة إلى بريد القراء في صحيفة الجزيرة السعودية، وقد طلبت في رسالتي بعض الخدمات الضرورية للبلدة التي أعيش فيها كتوصيل كهرباء وإقامة مستشفى وإنشاء بعض الطرق، وحينما نشرت رسالتي في الصحيفة اندهشت من كمية الردود الإيجابية عليها، فشعرت بالسعادة وأدركت أهمية ما فعلته، كانت تلك بدايتي الصحفية. الصحافة مهنة عملية في العالم العربي، وكي تنجح فيها عليك أن تأخذ في حسبانك أهمية المسؤولية الأخلاقية لهذه المهنة.
س: هل لك أن تخبرنا عن أصعب التجارب التي مررت بها في الصحافة؟
د. سليمان الهتلان: إن تغطية أي حدث تشتمل على صعوبات وتعقيدات كثيرة. ولا أزال أتذكر حين قمت بعملي كمراسل في حرب أفغانستان أواخر الثمانينيات، بعد تخرجي مباشرة من الجامعة، وأنا أقوم بتغطية الحرب هناك، اكتشفت في المقام الأول أهمية التوثيق والبحث عن الحقائق، وضرورة أن أكون موضوعياً قدر الإمكان في ما يتعلق بالأحداث، كما أدركت أهمية الحديث والفهم بلغات أجنبية متعددة، كي أستطيع مخاطبة الآخرين والتواصل معهم.
س: في رأيك ما الدور الأساسي الذي يلعبه الإعلام في الإمارات، وكيف يتعلق هذا بتقليص دور الإعلام التقليدي؟
د. سليمان الهتلان: هناك عوامل كثيرة تسهل تطور الإعلام في الإمارات، أهمها بالطبع وجود بنية تحتية ممتازة تتراوح بين خدمات الاتصالات، إلى الطرق والمطارات، فعلى سبيل المثال لو كنت تقوم بتقديم برنامج تلفزيوني، كما يحدث في حالتي، فلن يصيبك القلق من تأخر الضيف على البرنامج التلفزيوني فلديه خيارات عديدة في النقل والمواصلات، إن المدن والمناطق الإعلامية في الإمارات هي في طليعة الجهات التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأس هذا كله الإعلامي في الإمارات، فلا تحس أنه مقيد ولا يتدخل أحد في عمله. وهذا السبب في أن الإمارات تجتذب الآن بعضاً من ألمع المؤسسات الإعلامية العربية والدولية البارزة، ووجود هذه المؤسسات هنا يمنح فرصا خيالية للصحفيين المقيمين في الإمارات.
س: لقد جمعت خبرات إعلامية متنوعة من كل من العالمين العربي والغربي، فماذا تعلمت من هذه التجربة وكيف ترى المشهد الإعلامي العربي؟
د. سليمان الهتلان: على المرء أن يعترف أن المشهد الإعلامي في المنطقة العربية مختلف تماما عن المشهد الغربي، ففي الغرب الإعلام عملياً هو السلطة الرابعة، حيث يشارك مع السلطات الثلاث الأخرى التشريعية والقضائية والتنفيذية، الإعلام هناك هو عين المجتمع التي تسهر على ملاحظة السلطات الثلاث الأخرى داخل الدولة، حيث يقوم بتحليل أداء كل منها، ونقاشه علنا أمام المجتمع.
أما في العالم العربي، فقد بدأت الصحافة كصوت حزبي وصوت رسمي للحكومات. لدينا قضايا كثيرة. أولها أننا لا نستطيع التفرقة بشكل دقيق بين الإعلام والإعلان، بين الدعاية والخبر، بين العلاقات العامة والصحافة، بين الرأي والخبر، وبين الخبر والتحليل.
ثانيا هناك نقص في الاستقلالية لدى كثير من المؤسسات الإعلامية العربية، التي تتصل أساسا بالحكومات أو النافذين في مجتمعاتهم، وأنها تواصل خدمة علاقاتها السياسية والتجارية، علاوة على ذلك هناك مسألة ثقافية هامة أعني بها غياب الروح النقدية والنقد الذاتي في ثقافتنا، وأخيراً، مع وصول الإعلام الجديد والصحافة التفاعلية التي تسمح لنا بالتعبير والمساعدة في تنشئة رأي عام، نشهد خليطاً من النقد والاتهامات الفظة، التي تجعل القارئ يجد صعوبة في التمييز بين النقد المسؤول الحقيقي والبناء وذلك القائم على الشائعات والأكاذيب.
وفي مناخ كهذا تزداد التحديات داخل القطاع الإعلامي، وأود خالصا من كل قلبي أن نسعى جاهدين لتسريع خطواتنا نحو بناء مجتمع مدني قائم على مفاهيم الحوار المهذب واحترام آراء الآخرين والتأكيد على أهمية المعلومة الدقيقة.
س: لماذا اخترت قناة الحرة لتقديم برنامجك التلفزيوني.
د. سليمان الهتلان: تلعب المنابر الإعلامية الحقيقية دوراً كبيراً في الطريقة التي يعمل بها الصحفي، حيث يبحث أي صحفي دائماً عن المكان الذي يعطيه استقلالية وحرية في الحركة، ولسوء الحظ فلا تزال هناك علاقات منافسة واحتكار إعلامي تقصي الصحفيين بصورة غير مريحة، رحت أبحث عن منبر إعلامي يمنحني الحرية كي يستضيف برنامجي ويكون حراً من الرقابة والاحتكار، في برنامجي الاسبوعي على قناة الحرة، أتصرف وحدي مع الضيوف ولا أحد داخل القناة أو خارجها يمكنه أن يتدخل في عملي أو يفرض شيئا على ضيوفي.
س: يشهد العالم العربي حاليا تغيرات عظمى وبخاصة في مجال وسائل التعبير الجديدة من خلال الإعلام الجديد، فهل تظن أن المؤسسات الإعلامية العربية ستستطيع مواكبة مثل هذا التغير؟
د. سليمان الهتلان: لدي إيمان جازم بمستقبل الإعلام الجديد، ولو أرادت مؤسساتنا الإعلامية التقليدية البقاء فعليها بفهم هذه التغيرات الكبيرة وأخذها في الحسبان. إن من يقومون بابتداع هذا الخطاب الجديد، القادرون على استخدام هذه المنابر الجديدة، يملكون الآن أصوات الرأي العام المؤثرة، ويتقن الجيل الجديد تماما استخدام هذه الأدوات الإعلامية الجديدة.
س: هل لك في النصح الكريم للقيادات الإعلامية الشابة وقراء مجلة “أخباري”؟
سليمان: إنني ممتن كثيرا لدعوتي للقاء القيادات الإعلامية الشابة والتحدث معها، وأعتبر أن برنامج القيادات الإعلامية الشابة وسيلة جديدة تسهم في ترجمة وضع أبوظبي كواحدة من أهم المراكز الإعلامية، لتصبح مركزاً فعالاً يركز دائما على تعزيز البرامج الإعلامية في العالم العربي، بالإضافة إلى إنشاء منابر جديدة للإعلام الجديد والتواصل الاجتماعي، وذلك من خلال مبادرات مثل هذه التي تقوم بها أبوظبي لرعاية الأصوات الإماراتية الشابة في الإمارات ومنطقة الشرق الأوسط، من خلال تقديم الفرص لهم ليكونوا طليعة الجيل القادم من الإعلاميين المؤهلين بكفاءة عالية.