كاتب و مدون سعودي
قبل أشهر، وإثر الحادثة التي وقعت في إحدى المدارس في الولايات المتحدة عندما أطلق أحد الطلاب النار على مجموعة من طلبة مدرسته وقتل نتيجة ذلك العديد منهم خرجت وسائل الإعلام الأميركية بلقاءات مع عدد من الطلبة الذين استطاعوا الفرار والنجاة من جحيم ذلك القاتل المختل، وقدمت للمشاهد عبر شهاداتهم روايات للرعب الذي عاشوه في تلك الدقائق العصيبة.
لم يمر ذلك الحدث فقط كحدث إجرامي بشع، بل فتح نقاشا مهنيا في الولايات المتحدة حول أحقية وسائل الإعلام في الالتقاء بطلبة دون سن الرشد أو مراهقين أثناء مرورهم بأوضاع نفسية صعبة وتقديم قصصهم بشكل ستظهرهم للجمهور بشكل نفسي قد لا يكون له انعكاس إيجابي على مستقبلهم وقد يؤثر في تعاطيهم مع محيطهم لسنوات طويلة.
في المملكة، يظهر ذات الحوار اليوم بعد أن اعتادت وسائل الإعلام المحلية والعربية أن تتعاطى مع ضحايا التعنيف أو الأخطاء الطبية باعتبارهم شواهد لها اسم وصورة ونفسية ودون أدنى احترام للخصوصية التي من حقهم التمتع بها في أجواء اجتماعية لا ترحم من اتهامات العيب والعار ومحاسبة الإنسان المستضعف بسبب ظلم الزمان والإنسان.
قصة راكان الذي عاش مع والديه معنفا، وظهر في التلفزيون بمباركة من دار الحماية الاجتماعية التي تولت أمره كشاهد للظلم الذي قاساه جسمه النحيل، يفتح الباب على السؤال الجوهري الذي يتجاوز المهنية الإعلامية فقط ليصل لنظام حماية حقوق الطفل في المملكة من القرارات الارتجالية التي يقوم بها بعض المسؤولين دون مراعاة للتأثيرات المستقبلية لذلك القرار أو ذاك.
فمن أعطى الحق لدار الحماية هنا بالسماح لوسائل الإعلام المختلفة بما فيها التلفزيونية أن تظهر الطفل راكان أمام العالم في وضع نفسي وجسدي منهار؟ وكيف يمكن تصديق أن مركزا لحماية يقوم بالتشهير بمن هم مؤتمنون على حمايتهم ويقومون بفضحهم أمام الخلق جميعا!
وعلى غرار ذلك أقول: إن ما قام به بعض المشاهير الذين ساندوا الطفلة “ريهام” والتي أجرمت بحقها وزارة الصحة وحقنتها بدم ملوث بمرض نقص المناعة، عندما خرجوا على الجمهور بصورهم وهم يبتسمون للكاميرا بجانب الطفلة في بادرة تسويقية لم يكونوا يفكرون إلا بأنفسهم وبالصورة الإيجابية التي ستظهرهم أمام الجمهور، فما معنى خروج الصورة للجمهور، إن كان المقصد هو فقط دعم ريهام نفسيا!؟
أعلم أن الصورة لها قوة ألف كلمة، ولكن يجب أن يبقى الجانب الإنساني في عملنا الإعلامي والتوعوي والاجتماعي أساسا مهنيا، فكيف نتوقع أن نحمي الأطفال ونحن نستغلهم في ذات الوقت ككبش فداء للقضية؟
المصدر: الوطن أون لاين