كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
ذهب الرجال الأوفياء الأخيار إلى بارئهم، ورجعت نفوسهم المطمئنة إلى ربها راضية مرضية، لتدخل في عباده وتدخل جنته، وخاب الخونة الأشرار ذوو النفوس الشريرة، التي تكره الحياة والخير والنماء، وتنشر الموت والشر والخراب.
ذهبت نخبة من أبناء الإمارات الأخيار، ليزرعوا بذور الخير في أرض أفغانستان المجدبة، التي تعاني من الفقر والجهل والتخلف، بعد أن نشرت فيها قوى العنف والإرهاب، الخراب، فكانت في انتظارهم أيادي الغدر، التي استطاعت أن تنال من أجسادهم التي نذروها لنشر الخير والنماء، لكنها لم تستطع أن تنال من أرواحهم المحلقة دائماً في سماء الطهر والنقاء، تلك التي لا يعرفها الأشرار، ولا يستحقون أن يستظلوا بها.
وأيّاً كان أولئك الذين أقدموا على هذه الفعلة الخسيسة والجريمة البشعة، فاغتالوا رجالاً ذهبوا لغرس بذور الخير في تلك الأرض التي عصفت بها الصراعات، وأيّاً كانت جنسياتهم وطوائفهم وانتماءاتهم، فهم ليسوا أكثر من جبناء، دفعتهم الخسة والنذالة للإقدام على فعل جبان. لم يستطيعوا مواجهة الخير بخير مثله، فكان الغدر هو وسيلتهم للتعبير عما في نفوسهم من شر.
الإمارات العربية المتحدة دولة قامت على الحب، وسعت منذ قيامها إلى نشر الخير في كل بقعة من الأرض، فجاب أبناؤها أنحاء المعمورة من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، يبحثون عن الجائعين والمحتاجين، وضحايا الكوارث والمجاعات والحروب والنزاعات، كي يلبوا حاجاتهم، ويداووا جريحهم، ويغيثوا ملهوفهم، ويطعموا جائعهم، مبتغين في ذلك رضا الله، وإسعاد البشرية وخيرها.
لم تحل دون وصول مساعداتهم الأجواء غير الآمنة، ولا الظروف الجوية السيئة، ولا وعورة المكان وصعوبة العيش، فقد وصلوا إلى أماكن كثيرة، مخاطرين بأنفسهم، متحملين الأخطار التي قد يتعرضون لها، وقد تعلموا من قادتهم مواجهة الصعوبات بالعزيمة الصادقة، والإيمان بأن ما يقومون به واجب يؤدونه دون منٍّ أو أذى لإخوانهم في الإنسانية، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم وأعراقهم وجنسياتهم.
الذين استهدفوا الشهداء في قندهار، وهم يقومون بمهمة إنسانية نبيلة، لم ينالوا منهم، فقد ذهبوا إلى بارئهم مكللين بأسمى درجات التكريم، وهل ثمة درجة أعلى أو تكريم أفضل من الشهادة التي نالوها؟، والذين استهدفوا الشهداء لم ينالوا من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قدمت أعز وأغلى ما لديها من أجل نصرة الحق وإغاثة الملهوف ومساعدة الأخ والصديق. فدولة الإمارات تعرف أن لكل موقف ضريبة، وضريبة مواقفها البطولية المشرفة من الأشقاء والأصدقاء، هي أن تنالها أحقاد الحاقدين وسهام الظلاميين، وأن يكون أبناؤها مستهدفين.
حدث هذا على مدى العقود الأربعة الماضية، منذ السنوات الأولى لقيام الدولة، وكان دبلوماسيوها في مقدم مواكب الشهداء الذين قدمتهم من أجل الحق والخير، وخدمة قضايا أمتيها العربية والإسلامية.
ففي الخامس والعشرين من شهر أكتوبر عام 1977، امتدت يد الغدر والخسة والنذالة لتغتال واحداً من أبرز دبلوماسييها، هو الشهيد سيف غباش وزير الدولة للشؤون الخارجية، في الوقت الذي كانت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى لم شمل الأمة العربية، وتوحيد جهودها لدعم قضيتها الأساسية، القضية الفلسطينية.
وكان اغتيال الشهيد سيف غباش في مطار أبوظبي، أثناء توديعه لوزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام، على يد أحد أفراد واحدة من المجموعات الفلسطينية التي كانت تستأجرها بعض الأنظمة العربية لتنفيذ أهداف وغايات أبعد ما تكون عن مصلحة الأمة العربية.
بعد سبع سنوات من اغتيال الشهيد سيف غباش، امتدت يد الخسة والغدر لتغتال دبلوماسياً آخر من أبناء دولة الإمارات، وكان مسرح الاغتيال هذه المرة في باريس، حيث تم اغتيال الشهيد خليفة بن أحمد بن عبد العزيز المبارك، سفير دولة الإمارات في فرنسا، يوم الثامن من شهر فبراير عام 1984، وهو يهم بدخول منزله، على يد جبان آخر ينتمي إلى المجموعة الفلسطينية نفسها.
حدث هذا كله، لأن دولة الإمارات العربية المتحدة، تتبنى مواقف قومية وإنسانية، تنسجم مع سياستها وفكر قادتها وأبنائها، بهدف تخويفها وإرهابها وزعزعتها عن هذه المواقف، لكن دولة الإمارات، ظلت ثابتة على هذه المواقف، لم تتحرك عنه قيد أنملة، وستبقى ثابتة عليها مهما حاول الظلاميون إرهابها، لا تثنيها عنها التهديدات، ولا العمليات الإرهابية الجبانة، ولا الهجمات الغادرة، لأن هذه المواقف نابعة من قيمها وأخلاقها والأسس التي قامت عليها.
فقد زرع القائد المؤسس، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذه القيم في نفوس أبنائها، وكان هو القدوة والمثل الأعلى الذي سيبقى خالداً في قلوب أبناء هذه البلد، مهما تعرضوا لأخطار، ومهما ارتقى منهم من شهداء، لأن من كان قائده وقدوته زايد الخير، طيب الله ثراه، لا يحيد عن فعل الخير، ولا يبالي بالمخاطر التي يتعرض لها في سبيل نشر هذا الخير، ووصوله إلى كل من يحتاجه وينتظره منه.
لقد انضم شهداء دولة الإمارات في قندهار، إلى قائمة الشرف التي تعلقها دولة الإمارات العربية المتحدة، وساماً على صدور أبنائها، وتفاخر بها بين الدول والأمم والشعوب.
أما أولئك الجبناء الذين ارتكبوا جريمتهم في الظلام، فقد انضموا إلى قائمة الخسة والنذالة التي تليق بأمثالهم، وستبقى أسماؤهم والجهات التي تقف خلفهم، موصومة بالعار، لأنها لم تستطع مواجهة الرجال الشجعان، فغدرت بهم، وشتان بين من يزرع الخير في وضح النهار، وبين من يقتل الأخيار تحت جنح الظلام.
المصدر: البيان