صحفي وكاتب سعودي
دوما هناك٬ عند أي مجتمع٬ بل عند كل إنسان عادي٬ مقاومة للجديد٬ ونفرة من الجديد٬ حتى تتعود نفسه عليه.
قديما صور المتنبي هذا المعنى في صورة أخاذة حين قال:
خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
هذا لفهم المسوغ النفسي التلقائي للمقاومة ورفض التحول٬ ولكنه سلوك لا يلبث أن يزول ويضمحل مع الوقت٬ وثبوت الفائدة العامة٬ وكثرة الممارسة له٬ وغلبة البلاء به٬ حسب لغة الأوائل.
من أجل ذلك يجب أن لا يجفل صاحب القرار٬ الذي ثبت بالدراسة والتجربة منفعته العمومية٬ من المقاومة الطبيعية العفوية٬ الأولية. إنما يجب محاصرة ولجم المقاومة الرفضية المقننة٬ التي يقف خلفها من يتاجر بهذه المشاعر العفوية٬ لحاجة في نفس يعقوب. يحصل هذا دوما مع القرارات الإصلاحية الجديدة٬ خاصة في قضية المرأة والانفتاح الاجتماعي عامة. دوما نرى ذلك. لنطالع هذه النماذج التاريخية٬ الطريفة٬ من تاريخنا في الكويت.
في كتاب الصحافي والمؤرخ الكويتي عبد الله الحاتم (من هنا بدأت الكويت). نطالع: 1930 أصدر أمير الكويت أحمد الجابر أمرا للأهالي بخلع (البشت) وهو العباءة الرجالية (المشلح) وألزمهم تنفيذ هذا الأمر٬ فقوبل هذا القرار من الأكثرية بالانتقاد والتحدي. ولما رأى أمير البلاد عدم انصياع الأهالي هّدد بمصادرة عباءة كل رجل من على ظهره وحرقها. فخاف الناس وخرج معظمهم بلا عباءة٬ وهناك من لزم منزله. وكان أول من خرج للناس بلا عباءة أفراد العائلة الحاكمة يتقدمهم أمير البلاد. كانت دوافع القرار اقتصادية اجتماعية٬ فأسعار العباءات غالية٬ وهي سلعة كمالية٬ والبلاد فقيرة. ومن الناحية الاجتماعية أضيف للعباءة هالة من التوقير صرفت الانتباه عن القيم المفيدة.
بهذه المناسبة قال شاعر شعبي كويتي٬ هو إبراهيم الخالد:
يا رب صبرني على كل ما كاد
وانظر لوقت مدبرات سنينه
من يوم حكيات المدارس مع الناد
وشفت المواتر مشيها في مكينه
وقالوا على «الموضات» والعلم يزداد
عرفت إن البشت قد حل حينه
عفت القراح وعيت النفس للزاد
ونقلت هم للربع ما استهينه.
ويذكر الحاتم أيضا عن دخول آلة بث الصوت (الغرامون) أو (البشتخته) للكويت٬ وكانت تصدح بالغناء٬ في مكان معروف وسط المدينة٬ كان ذلك آخر عهد الشيخ مبارك الصباح 1915 كانت حديث الناس٬ فقيل: الشيطان داخل الآلة يغني٬ فما كان من الشيخ سالم٬ نجل الحاكم٬ إلا استغلال فرصة غياب والده٬ رحب الصدر٬ في المحمرة ليمنع الآلة.
العبرة: تحصل هذه المقاومة العادية دوما٬ ويوجد معها دوما من يمتطيها.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”