كاتب إماراتي
من بين الدول التسع عشرة المكونة لمنطقة «اليورو» تعتبر اليونان الحلقة الأضعف، التي شكلت هماً لبقية الأعضاء، وبالأخص ألمانيا خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أنها في الوقت نفسه تعبر عن التناقضات التي لا بد من حلها بين الالتزامات الوطنية، وتلك الخاصة بالمجموعة الأوروبية. مع بداية الأزمة المالية العالمية، كانت اليونان على شفا الإفلاس والانهيار الاقتصادي، إلا أن حبل النجاة جاء من الاتحاد الأوروبي، الذي أمدها وصندوق النقد الدولي بأكثر من 300 مليار يورو، إلا أن ذلك لم يكن دون مقابل أو بمقابل متواضع كالسماح للأوروبيين بالاستلقاء على شواطئ الجزر اليونانية والتمتع بشمس البحر الأبيض المتوسط الدافئة، بل كان المقابل مؤلماً من خلال فرض المفوضية الأوروبية لسياسة تقشف صارمة أدت إلى سقوط حكومة «اليمين» وفوز «اليسار» الراديكالي في انتخابات شهر يناير الماضي.
واستطاع زعيم الحزب «اليساري» ألكسيس تسيبراس اللعب بحذاقة على الشعور العاطفي الوطني لليونانيين، وعلى انتقاد سياسة التقشف التي فرضتها المفوضية واصفاً برنامجه بأنه برنامج «خلاص وطني» لاستعادة كرامة اليونانيين، إذ جاءه الرد سريعاً من الجانب الأوروبي، بأن وقف سياسة التقشف يعني وقف القروض، وبالتالي دخول اليونان في نفق مظلم لا تنفع معه العواطف، فالبلد شبه مفلس ووكالات التصنيف الائتماني هددت بتخفيض تصنيف اليونان من B مستقر إلى سالب، مما يعني هروب رؤوس الأموال وتعقيد الوضع. رؤوس الأموال هذه بدأت في الهروب بالفعل حتى قبل هذا التهديد، إذ ارتفعت مبالغ سحب الودائع بنسبة 166% خلال شهر واحد فقط لتصل إلى 8 مليارات «يورو» في شهر يناير مقابل 3 مليارات في شهر ديسمبر الماضي، في حين انهارت البورصة اليونانية، مما أدى بالبنوك إلى خسارة ربع قيمها.
إذن توجد مشكلة معقدة للغاية تواجه النظام الجديد في اليونان تتعلق بكيفية التعامل مع الديون، ومع بقاء اليونان في منطقة «اليورو»، إذ إن هناك التزامات انتخابية وأخرى أوروبية متناقضة معها، فألمانيا كانت واضحة للغاية عندما قالت «التغييرات في اليونان يجب إلا تكون على حساب الأوروبيين الآخرين»، إذ إن أي تساهل مع اليونان سيدفع كل من إسبانيا والبرتغال وربما إيطاليا إلى انتهاج الأسلوب نفسه، وهو ما يحاول الاتحاد الأوروبي تحاشيه قدر الإمكان. لذلك ركز اجتماع رئيس البرلمان الأوروبي مع المسؤولين اليونانيين الأسبوع الماضي وبعد إعلان نتائج الانتخابات مباشرة على كيفية حل مشكلة الديون، التي دفعت من جيوب دافعي الضرائب الأوروبيين، إذ إن عدم حل هذه المشكلة بتنازل من الطرفين وإبرام تسويات، فإن البديل سيكون نتائج كارثية وخروج اليونان من منطقة «اليورو»، خصوصاً أن إلغاء ديون اليونان غير وارد.
ومن المهم للنظام الجديد في أثينا أن يعمل على وقف نزف الاستثمارات الأجنبية ومحاربة الفساد والتهرب الضريبي، الذي يبلغ 14 مليار يورو، إذ إن هناك خللاً كبيراً في الإدارة الاقتصادية لليونان. أما في حالة عدم التوصل لحل يرضي الطرفين، وهو ما يسعى له «تسيبراس»، فإن آخر العلاج سيكون خروج اليونان من منطقة «اليورو»، مما سيضر بالعملة الأوروبية على المدى القصير، إلا أنه سيشكل قوة إضافية لها على المديين المتوسط والطويل، فالقطة تأكل أضعف مواليدها عند الولادة لمعرفتها الأكيدة بالفطرة، من عدم قدرته على الحياة، في الوقت الذي سيضر بقاءه المؤقت المواليد الآخرين؛ لأنه سوف يتغذى على حسابهم. وفي كل الأحوال، فإن طريقة تعامل المفوضية الأوروبية مع رجلها المريض ستحدد قريباً كيفية تعاملها مع دول أخرى تعاني المشاكل نفسها، ولو بصورة أقل، كإسبانيا والبرتغال، مما يعقد الأمر أمام اتخاذ قرار سريع لمعالجة الأزمة اليونانية.
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=83339