خاص لـ هات بوست:
مع كل إشراقةٍ في الثاني من ديسمبر، يعود إليَّ مشهدٌ لا يغادر الذاكرة:
أنا في لندن، عام 2011، طالبةٌ في رحلة علمية، أجلس أمام شاشة صغيرة في غرفة باردة، أتابع من بعيد احتفالات عيد الاتحاد الأربعين في مدينة زايد الرياضية. كان النشيد يرتفع هناك، بينما كانت الغربة تنخفض عليّ هنا. وبرغم المسافة، كان الشعور بالانتماء يملأ المكان كأنني في قلب الحدث.
في تلك الليلة كتبتُ رسالةً للإمارات.
لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل نداءً صادقًا دوّنته بقلبي قبل قلمي، كتبتُ فيه:
«يا إماراتي، يا حبًا لا يشبهه حب… وأنتِ يا أمي الإمارات، سيدةُ العارفين بأن الأمم تُقاس بمثقفيها وإنجازات مواطنيها.»
واليوم — بعد أربعة عشر عامًا — لا تزال تلك السطور تذكّرني أن بعض الأوطان لا تغيب عنك، حتى لو غبتَ عنها. وأن الإمارات، تحديدًا، وطنٌ لا يسمح لك أن تكون بعيدًا عنه… حتى وأنتَ خارج حدوده.
ومع عيد الاتحاد الرابع والخمسين، أعود إلى ذلك السؤال الذي تأسّس في داخلي منذ سنوات:
ماذا لو نطقت أرض الإمارات؟
ماذا كانت ستقول لأبنائها الذين احتضنتهم، وفتحت لهم أبواب العلم والعمل، ومنحتهم أكثر مما طلبوا؟
هل كانت ستُذكّرهم بأن نهضتها لم تُبنَ صدفة، بل صاغها رجال ونساء حملوا قيم زايد في قلوبهم قبل أيديهم؟
أم كانت ستقول لهم: كونوا كما أريد لكم… أمناء، عاملين، عارفين بقيمة ما بين أيديكم؟
وفي هذا اليوم الوطني المجيد، أجدّد ثلاثة وعود، ليست شعارات، بل خطوط حياة:
أولًا: العمل والإخلاص.
أن أكون ممثلةً لوطني أينما ذهبت — ليس بمنصبي ولا بدوري المهني فحسب — بل بطريقة التفكير، وباحترام الإنسان، وبالإيمان بأن القوة الحقيقية تبدأ من قيمة العمل.
ثانيًا: التمكين والمشاركة.
أن أستمر في خدمة المجتمع، وأن أفتح المجال — قدر المستطاع — لغيري من النساء والشباب ليجدوا فرصة تشبه فرصي، ومسارًا يليق بطموح هذا الوطن.
ثالثًا: الولاء والانتماء.
أن أجسّد قيم الله، الوطن، رئيس الدولة في كل ممارسة صغيرة قبل الكبيرة، وأن أتذكّر أن الانتماء ليس كلمة… بل سلوك يومي، وصوت داخلي لا يخفت.
لقد علّمتني الإمارات أن حب الوطن ليس صورة في احتفال ولا نشيدًا يُردَّد، بل فعلٌ يتكرر، ومواقف تُتخذ، وأخلاق تُمارَس، ومسؤولية تُحمل.
وأن الهوية الإماراتية ليست بطاقة تُبرز، بل تاريخٌ ينهض في داخلك كلما وقفتَ أمام تحدٍّ، أو مُنِحت فرصة، أو سُمِع صوتك.
وفي عيد الاتحاد الرابع والخمسين…
لا أجدّد رسالتي فحسب، بل أجدّد عهدي:
أن أحمل راية الإمارات أينما كنت، وأن أحفظ قيمها في قلبي وعملي، وأن أبقى — كما أردتُ دائمًا — ابنتها… وابنة زايد.
