كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
ولأنني، وباعترافي، مع الكتابة، فكرة من النشاز وحب الاختلاف، فسأترك الكتابة عن رسوم الأراضي البيضاء للعشرات الذين أشبعوا القرار الوهمي طرحاً وضرباً حتى ضاعت أوراق القرار ما بين الهيئات والمجالس. ومن النكتة الساخرة أنه لا شيء يشبه الحديث عن الأراضي “البيضاء” في بلدي سوى حديث بضعة نفر من أهل أدغال “الأمازون” عن وفرة الماء أو حديث بضع مئات في شمال كندا عن انقراض الأشجار وتصحر أكبر غابة على وجه الأرض. من المخجل المشين الفاضح المعيب أن يتحدث السعودي عن ارتفاع سعر المتر المربع بينما درسنا في حصة الجغرافيا أن نصيب المواطن من مساحة وطنه بأكمله تصل بالحساب المتحفظ جداً لثلاثة كيلومترات مربعة. حديثي اليوم سيكون عن الأراضي “الصفراء”. وكلما دلفت على وطني من ارتفاع فوقي جداً على خريطة “google earth” وجدت نفسي أسبح فوق مساحة هائلة من الرمل الأصفر التي تستطيع استيعاب كل سكان مدن الكون وشعوبه بمقياس المساحة نفسها التي يحتلها ساكن “مانهاتهن” الضيقة جداً، فما الذي أجبرنا لأن تكون بعض مواقعنا على الخريطة أغلى من جوار الهايد البارك أو سنترال بارك في نيويورك؟ دعونا بكل صراحة ومكاشفة نحلل جذر المشكلة:
جذر المشكلة هو “الصكوك” الصفراء، لا الأراضي البيضاء، وهنا سأتوقف مجبراً لأنني جبان عن دخول الأراضي “الحمراء” المحرمة.
وهنا سآخذكم إلى مساحة هزلية أحاول فيها الهروب من تبعات وأسئلة رأس المقال: شكوت قبل عامين لصديق الحياة الراحل الدكتور مبارك بن سليمان رغبتي في الانتقال للرياض، ومن ثم هواجس “المساحة” وآمالي الكاذبة في منزل واستراحة. قلت له هذه ميزانيتي، أبا عبدالله، للانتقال الجذري الكامل من مدينة إلى مدينة. أخذني رحمه الله وغفر له إلى منطقة تبعد عن شمال الرياض بساعتين ونصف الساعة ثم قال لي: هذه مزرعة تصلح لميزانيتك وظرفك. ضحكت معه بجلجلة هائلة لأنه وحتى “الخافض اللافض” من هذه الأرض الصفراء يحتاج لضعف ميزانيتي مثلما يحتاج لكتيبة أمنية لحراسة أولادي حال غيابي عنهم ليلة واحدة. كنت معه يومها في فلاة لا أعرف معها من أراجع من إمارات الرياض والقصيم وحائل والمدينة ومكة. لأنه حتى بحالي الميسور ولله الحمد لا أستطيع دفع قيمتها فكيف الحال بمواطن يريد مئتي متر فقط في الدور السابع من عمارة على أرض وطنه!!
المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23152