كاتب إماراتي
روى أحدهم قبل سنوات، وهو إنجليزي مقيم في الإمارات، أنه بعد رحلة طويلة بالطائرة، وصل إلى بيته في الثالثة فجراً، وبينما كان يضع المفتاح في قفل الباب سمع هَمْهَمات حصان واقف إلى جانبه.
فزع من مكانه؛ فسمع ضحكة رجل يقول له بالإنجليزية: «لا تقلق.. إذا كنتَ صاحب المنزل فأهلا بك».ولما أمعن النظر اكتشف أن صاحب الحصان كان شُرطياً يدور في الحيّ للتأكد من أن كل شيء على ما يرام.
وعندما سأله عن سبب استخدامه الحصان وليس السيارة، أجابه أن الحصان يستطيع الدخول في الأزقة الصغيرة وبهدوء، مما لا يزعج الناس وهم نيام، ويساعد الشرطة على مسح الأماكن المكلفين بحراستها، بسهولة أكبر. ثم ختم الإنجليزي حديثه بقوله: «أشعر بالأمان هنا أكثر من أي مكان آخر».
إن مفهوم العدالة شاسع، بعكس ما يظن كثير من الناس، فهو غير محصور فقط في تطبيق القوانين بحذافيرها والمحافظة على الحقوق، بل يمتد ليشمل التنمية، وكرامة الإنسان التي تتفرع منها حقوقه، وأمنه، وفُرصته لتحقيق ذاته وطموحاته في الحياة، وهذا أنبل ما فيها.
فعندما ينام الإنسان آمناً، ويسير في الطرقات دون أن يخشى أحداً، ويعرف أن حقوقه مكفولة بالقانون، ومشاريعه تكبر بجهده وبذله، لا بالرشاوى والعلاقات الشخصية، وعندما يشعر بأن أبواب الفرص مفتوحة ليكون ما يريد، ويحقق المستقبل الذي ينشُد لأبنائه وأسرته، فإنه يتفيّأُ ظلال العدالة بأجمل صورها.
ونَبْتَةُ العدالة هذه لا تظهر فجأة، بل هي تراكماتٌ لعمل طويل، قَلْبُه الإخلاص، وساعداه حب الوطن والناس، واستشعار أمانة مسؤولياتهم أمام الله ثم الضمير. وهذا ما تحلى به الوالد الشيخ خليفة بن زايد، متّعه الله بالصحة والعافية.
فمنذ أن تولى راية الإمارات أخذ يجوب أرضها بدءاً بالقرى والمناطق البعيدة، وما إن يخرج من بقعة حتى يُعلَن في اليوم التالي عن إطلاق مشاريع فيها في البنية التحتية، وفي الإسكان والصحة وغيرها، حتى لا يشعر الساكن في إحدى زوايا الإمارات البعيدة عن المدينة أنه مواطن من الدرجة الثانية، بل يقف على قدم المساواة مع أخيه المواطن أينما كان.
ذهبتُ مرة مع صديق من إحدى الدول الآسيوية في رحلة برية، وكلما توغلنا في الصحراء وصلنا إلى شارع جديد، نقطعه ثم نمضي ولا نكمل ساعة حتى نصل إلى شارع آخر.
فقال لي: «لماذا تبنون الشوارع في هذه المناطق النائية؟»، فقلتُ له إن مفهوم «مناطق نائية» غير موجود في الإمارات، ولربما قادك أحد هذه الشوارع إلى قرية لا يزيد عدد سكانها عن مئتي شخص، لكن أهميتهم في وطنهم لا تقل عن أهمية من يسكن العاصمة أو إحدى المدن الرئيسية.
نسمع كثيراً مصطلح «الحلم الأميركي» الذي يعني حصول الإنسان على فرصة للنجاح والازدهار، ولتحقيق هذا الحلم هاجر ملايين البشر إلى الولايات المتحدة لكونها أرض الفرص. وفي الإمارات، فإن غالبية الناس، من مواطنين ومقيمين، يستشعرون الحلم الإماراتي المتمثل في حياة ناجحة، وكرامة محفوظة، وبيئة ضامنة للحريات وحقوق الإنسان.
لا أحب مقارنة الإمارات لا بأميركا ولا بغيرها من الدول العربية من ناحية الإنجازات الحضارية، فالتقارير العالمية تُطالعنا كل مدّة بخبر تَصَدُرِ الإمارات قائمة دول المنطقة العربية في مجال حضاري ما، ولكن أظن أن ما يميز الإمارات اليوم هو أنها صارت أرض الفرص لأي إنسان كان، طالما يحترم مبادئها العربية وقيمها الإسلامية، التي لا تتعارض مع متطلبات الواقع والحراك المدني الإنساني.
لقد تمددت الإمارات في عهد الوالد الشيخ خليفة كحَقْلٍ حرص زارِعُه على الاهتمام به والاضطلاع بمسؤولياته واحتياجاته، فأنبتت نباتاً طيباً، وأثمرت وأزهرت فصارت قُرّة عينٍ لزارعها، وبيئة خصبة لكل من أراد أن يحقق ذاته من خلالها.
وفي الإمارات لا تحتاج المرأة إلى دعم، ولا تُعامل كأنها ذات احتياجات خاصة، بل تتساوى مع الرجل في الفُرص، وتُحدد مكانتها تبعاً لاجتهادها وعملها، وليس لأنها امرأة، وهذا أحد أبرز ملامح التنمية التي تنشدها المجتمعات الحديثة.
ومن أسرار نجاح الإمارات محاربتها للفساد بكل أشكاله، فالإنسان عندما تتاح له الفرصة للمشاركة في التخطيط والبناء والإنجاز، فإنه يشعر بالانتماء لبلده، ولا يُضطر لسلك طرق ملتوية للحصول على ما يُريد.
هذا لا يعني أن الإمارات بلد «يوتوبياً» لا يحتاج إلى تطوير، بل لأنه يرفل تحت مظلة قائد يؤمن بالمستقبل، فإن التطوير والتحسين مطلبٌ أساسي لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة.
يقول الوالد الشيخ خليفة في هذا الصدد: «إن هدفنا الأساسي في دولة الإمارات هو بناء الوطن والمواطن، وإن الجزء الأكبر من دخل البلاد يسخر لتعويض ما فاتنا واللحاق بركب الأمم المتقدمة التي سبقتنا في محاولة منا لبناء بلدنا».
قد تكون، وأنت تقرأ هذا المقال، جالساً في بيتك، أو في عملك، أو تحتسي القهوة في مكان ما، وأينما كنتَ أدعوك أن تنظر حولك لتعلم أنك جزء من بناء حضاري، أقام قواعده زايد الخير، ويرفع عماده خليفته الذي فتح الباب على مصراعيه لكل فرد يعيش هنا حتى يحقق حلمه، ويكون جزءاً من هذا البناء العظيم.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-11-05-1.2236508