قليلون من الزعماء يتركون بصمات خالدة في تاريخ أمتهم، تتغنى بها الأجيال جيلاً بعد جيل، والمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، واحد منهم، لا يختلف اثنان على زعامته، وبعد نظره، وحكمته، وفروسيته، ونبل وكرم أخلاقه، وإنسانيته وعطائه اللامحدود.
أحب شعبه بصدق، بالقول والعمل، فبات معشوق أبناء الإمارات والعرب، وكل من ينطق بلسان الضاد، فبادلوه الحب والإعجاب والفخر بقيادته، وكانوا سنده في رحلة كفاح طويلة، بدأت قبل قيام دولة الاتحاد، واستمرت بعدها إلى أن اختاره المولى عز وجل إلى جواره، واستمرت المسيرة بعده بالعنفوان نفسه، يقودها تلميذه، خير خلف لخير سلف، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي جعل من الإمارات جنة يتمنى الجميع العيش فيها، والتمتع بنعيمها وخيراتها.
في الذكرى الثانية عشرة لرحيل حكيم الأمة، فإن الحديث عن مسيرة زايد لا تقاس بالسنوات، ولولا أن وراءها إرادة فارس وحكيم صلب المراس، لكان من الصعب الوصول إلى ما تحقق، مما يمكن اعتباره بالمقاييس الإنسانية معجزات صعبة التنفيذ.
فالصحراء مترامية الأطراف حولها إلى بساط أخضر، تظلله أشجار النخيل والفاكهة، والبيوت البسيطة المتناثرة هنا وهناك، باتت أبراجاً وناطحات سحاب، تزهو بجمال بنيانها، والبنية التحتية المفقودة، أنشئت وفق أحدث المواصفات العالمية، فشقت الطرق الحديثة السريعة، ونفذت مشروعات الصرف الصحي ومياه الأمطار، وبنيت المطارات والموانئ التي تضاهي نظيرتها في أكثر دول العالم تقدماً.
لم ينشغل الشيخ زايد رحمه الله بمهمة على حساب أخرى، فمسيرة التأسيس والتنمية كانت في فكره كلاً متكاملاً، مترابطاً، فاهتم أيضاً ببناء المدارس على اختلاف مراحلها الدراسية، والجامعات، وابتعث آلاف الطلبة لدراسة بعض التخصصات المطلوبة، ونفذ مشروعات صحية على أعلى مستويات الجودة، واستقدم لها أطباء اختصاصيين واستشاريين، ودعمها بأحدث الأجهزة والمعدات والتجهيزات والأطقم الفنية.
آمن زايد أن المنجزات لابد لها من ذراع قوية تحميها، وترد عنها كيد الطامعين، فكان إنشاء القوات المسلحة لتصون السلم الداخلي، وتحمي البلاد من الأطماع الخارجية، وأقام المعاهد العسكرية الراقية لتخريج رجال أشاوس، يحبون بلدهم وقادرين على الدفاع عنه وحمايته، وزوّد أفرعها بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح في العالم.
وفي الساحة الخارجية، أبلى فقيد الأمة بلاء حسناً، فباتت الإمارات على علاقات وطيدة وطيبة مع معظم دول العالم، وتقوم سياستها الخارجية على مبادئ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتعاون الدولي الإيجابي في كل القضايا التي تخص المجتمع الإنساني الواسع، فكانت النتيجة علاقات يسودها الاحترام المتبادل مع كل الدول التي أقامت معها علاقات دبلوماسية، وحصد أبناء زايد ما زرعه الوالد بالترحاب بأبناء الإمارات في أكثر من 100 دولة في العالم بلا تأشيرة.
وأبقى على قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران «طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى» حية، وبدبلوماسية ذكية جذب تأييد العالم لموقف الإمارات منها، والذي يقوم على التفاوض أو اللجوء إلى التحكيم الدولي لحسم ملكيتها.
وعلى الصعيد الإنساني، صال زايد وجال، ولم يترك مكاناً في العالم من دون أن تمتد يد الخير الإماراتية إليه بالعون والمساعدة، للدول التي تتعرض للكوارث الطبيعية والحروب، وللدول الفقيرة النامية، عبر تنفيذ مشروعات تنموية، تساعد تلك الدول على تشغيل عمالتها، وتحقيق موارد مساعدة للدخل الوطني.
رغم كل الإنجازات العملاقة التي تحققت بإرادته وحكمته وقيادته، كان بسيطاً وعفوياً ومقرباً من قلوب أبناء شعبه، أبوابه مفتوحة للجميع، يحدث الصغير قبل الكبير، يستمع للفقير قبل الغني، وهو زايد الإنسان الذي سالت دموعه على وجنتيه، يوم أن قالوا له إن مواطنا يعيش في بيت مستأجر وأقسم أنه لا يعلم بذلك.
هذا هو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، القائد المؤسس، الفارس الحكيم، النبيل الكريم، أحب شعبه فبادلوه الحب بحب أكبر، ومازال يعيش في القلوب والعقول، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.
المصدر: الخليج