عقد خبير بحوث ومحاضر معتمد مقارنة بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وزعماء عرب وعالميين، أكد فيها أنه يتفوق عليهم جميعاً بمحامده ومفاخره وإنجازاته ومآثره، مؤكداً أن زايد زعيم وقائد وحدوي، مقارنة بعدد من زعماء العالم الذين عاصروه، استناداً إلى الوثائق التاريخية.
وقال خبير البحوث والمحاضر المعتمد، عبداللطيف الصيادي، إنّ «إنجازات زايد الإنسانية والتنموية والسياسية من الحقائق المطلقة، وتزدان بها صفحات التاريخ، ما يقتضي منا تجاوز السرد الوصفي والتعداد الرقمي لتلك الإنجازات إلى إعادة قراءة ومضات من فكر وفلسفة هذا القائد العربي العظيم في بناء الدولة وتأسيس الاتحاد، واستعراض التحديات المحلية والإقليمية والدولية التي واجهها لتحقيق حلمه بحكمة سياسية فريدة، وبصيرة ثاقبة، وشخصيته قيادية فذة، وكيف استطاع في ظل التحديات تحقيق العبور الآمن بالدولة من مرحلة التأسيس إلى التجذر والثبات، فمرحلة الانطلاق والنهوض الحضاري، فمرحلة العالمية، ولتصبح في فترة زمنية قصيرة ـ بمقياس أعمار الدول ـ من أرقى دول العالم وأكثرها حداثة وتطوراً وازدهاراً».
وأوضح خبير البحوث والمحاضر المعتمد، عبداللطيف الصيادي، أن المتتبع لسيرة زعماء عالميين كبار عاصرهم زايد من بعيد أو من قريب، مثل غاندي، ومحمد علي جناح، وأحمد سوكارنو، وعبدالناصر، ومصطفى كمال أتاتورك، وجوزيف تيتو، سيجد أن أولئك القادة حققوا تطلعات شعوبهم في الانعتاق من ربقة الاستعمار، وأسسوا حكومات وطنية مستقلة، وأقصوا دولهم من تأثيرات الحرب الباردة، التي كانت مستعرة بين دول المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، ودول المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي (المنحل)، ولا شك في أن زايد يتفق معهم جميعاً كونه أنشأ دولة، أو أقام اتحاداً، أو حقق استقلالاً. بيد أن إمعان النظر في حقيقة ما أنجزه أولئك القادة، مقارنة بما تحقق في عهد زايد، سيكشف أن بوناً شاسعاً يتبدى بينهم وبينه، إذ يُلاحظ أنهم، وإن حققوا استقلالاً ناجزاً لشعوبهم، إلا أنهم في الأصل كانوا مجرد قادة «وارثين»، أي أنهم لم ينشئوا دولاً من العدم، وإنما حققوا استقلالاً لأقاليم كانت تتمتع- ولو في ظل المستعمر- بوظائف الدولة كافة (إدارياً، وقضائياً، وتشريعياً، وسياسياً)، بينما لم يكن زايد من صنف الزعماء الوارثين، وإنما كان قائداً صانعاً، أي أنه صنع الدولة وأنشأها من العدم. فلم يكن للإمارات قبل اتحادها وظائف دولة من أي نوع يذكر، كما هو شأن الأقاليم التي ورثها أولئك القادة، وإنما كانت عبارة عن شتات من القبائل المتناثرة المنتشرة على طول سواحل الخليج، الممتدة بين رؤوس الجبال بإمارة رأس الخيمة، ومنطقة خور العديد بإمارة أبوظبي. وكانت تلك القبائل تحكم بطريقة بدائية، تفتقر إلى أبسط مقومات الدولة ووظائفها.
واستدرك الصيادي أنه «لا نبغي انتقاصاً من قدر أولئك الزعماء، أو التقليل من شأنهم، فحسبهم ما قدموه من أعمال لقيت حظوة عند السواد الأعظم من شعوبهم على أقل تقدير، وإنما جُل ما نسعى إليه هو محاولة التدليل على أن أولئك القادة جميعاً، وإن اتفقوا مع زايد في معنى الزعامة لغة، إلا أنهم اختلفوا معه في معناها إصطلاحاً وروحاً».
وأشار إلى أن هولاء القادة، وإن كانوا قد ورثوا دولاً قائمة تتمتع بشيء من البنى التحتية والحدود الدولية الواضحة، إلا أنهم ـ رغم ذلك – فشلوا في الحفاظ على ما توارثوه فيها من حدود متعارف عليها وقت نيلها الاستقلال، وذلك بعكس زايد الذي خلف دولة حضارية تتجذر وحدتها الجغرافية يوماً بعد يوم، ويتماهى شعبها مع قيمها الوحدوية لحظة بعد لحظة، وذلك بفضل ما رسمه من نهج وحدوي قائم على الحب والتراحم، والعدل والمساواة.
وأوضح أن «غاندي» ورث شبه القارة الهندية في لحظة استقلالها عام 1947، إلا أنه لم يستطع الحفاظ على وحدتها الإقليمية كما كانت زمن الاستعمار البريطاني، إذ تمكن الزعيم محمد علي جناح من فصل باكستان عنها في العام ذاته، وعلى الرغم من ما حققه جناح من استقلال لبلاده، إلا أن من خلفه من القادة لم يتمكن من الحفاظ على وحدة الأراضي الباكستانية أيضاً.
وتابع الصيادي، أن بنغلاديش تمكنت من الانفصال عن الوطن الأم، وأصبحت دولة مستقلة منذ عام 1971، ويتكرر الأمر ذاته مع الزعماء محل المقارنة، إذ ورث الزعيم اليوغسلافي، جوزيف بروز تيتو، مملكة يوغوسلافيا، بوصفها إقليماً موحداً عام 1945، وكل ما فعله لا يجاوز تحريرها من الاستعمار الألماني، وتحويلها إلى دولة جمهورية، لكنها ـ رغم ذلك – تعرضت بعد رحيله للتفكك والانحلال، وأصبحت سبع دول مستقلة.
وأشار إلى أن الزعيم المصري، جمال عبدالناصر، على الرغم من إنجازاته الكبرى في تأصيل فكرة القومية العربية، وتحقيق حلم الاستقلال الحقيقي لبلاده، ولعدد من الدول المستعمرة في إفريقيا وآسيا، إلا أن وحدة «بلاد النيل» انتهت في عهده بانفصال السودان عن مصر عام 1956، بل وفقدت فكرة القومية العربية زخمها وقوتها من بعد رحيله.
وذكر الصيادي الزعيم التركي، مصطفى كمال أتاتورك، قائلاً إنه لم يحقق لبلده سوى بعض الانتصارات في معارك خاضها ضد جيوش الحلفاء والجيوش اليونانية التي كانت تحتل أجزاء من ممتلكات بلاده، لكنه لم يحافظ على إرث الخلافة العثمانية، التي أقدم شخصياً على إلغائها، بعد أن كان حكمها ممتداً بين القارات الثلاث (آسيا وأوروبا وإفريقيا).
ولفت إلى أن الزعيم الاندونيسي، أحمد سوكارنو، تمكن من تحرير بلاده من الاستعمار الهولندي عام 1945، وبعدها بدأت حركات انفصالية عدة تنخر في جسم الدولة الأم، لعل أخطرها حركة تحرير إقليم «اتشيه»، التي تطالب بالانفصال منذ عام 1979.
وأكد الباحث أن الأمر الذي يحقق لزايد تفوقاً بارزاً على الزعماء محل المقارنة، أنه في الوقت الذي لم تتعرض فيه إقاليمهم الموروثة عن الاستعمار لأخطار إقليمية من دول الجوار الجغرافي، فإن الإمارات قبل الاتحاد وبعده واجهت تحديات جمة، سواء من قبل جيرانها أو من قبل دول بعيدة عنها نسبياً، إذ إن إيران هددت أكثر من مرة بعدم الاعتراف بدولة الاتحاد، بل ومحاربتها إن لم تمكنها بريطانيا (العظمى) من الاستيلاء على الجزر الثلاث.
وأشار إلى أن دولاً عربية أخرى إما اعترضت على انضمام الإمارات للجامعة العربية أو الأمم المتحدة، بذريعة أنها «دولة صغيرة أوجدتها القوى الاستعمارية!»، أو رفضت إدانة إيران لاحتلالها الجزر الثلاث والاعتراف بحقوق الإمارات السيادية فيها، وعلى الرغم من ذلك تمكن زايد، طيب الله ثراه، من تجاوز كل هذه الصعاب والتحديات، ونال الاعتراف العالمي بدولته، بل وجعل دول العالم قاطبة تتسابق لإقامة علاقات ودية معها، وتأسيس شراكات ثنائية على المستويات كافة.
وقال الصيادي، إنّ «إنجازات زايد الإنسانية والتنموية والسياسية تزدان بها صفحات التاريخ، ما يقتضي إعادة قراءة ومضات من فكر وفلسفة هذا القائد العربي العظيم في بناء الدولة وتأسيس الاتحاد، واستعراض التحديات المحلية والإقليمية والدولية التي واجهها لتحقيق حلمه بحكمة سياسية فريدة».
وأشار إلى أن عبقرية زايد في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، تجلت من خلال تعامله مع مجموعة من الاختبارات والمحكات، التي أثبت فيها قدرته الفذة على القيادة وقاد الدولة الوليدة إلى برد الأمان، ومن هذه الاختبارات، على سبيل المثال لا الحصر تجاوز، معضلة الحدود وتأسيس الدولة.
وأوضح الصيادي أن زايد بدأ مرحلة تحقيق حلمه في جمع الشتات الجغرافي والقبلي الممزق لما كان يسمى «الإمارات المتصالحة» بين عامي 1968 و1971، وفيها بدأ زايد مشروعه الاتحادي الكبير تخطيطاً وتنفيذاً، تراجعاً وقبولاً، تردداً وإقناعاً، إلى أن تحقق له ما أراد في فترة زمنية قياسية لم يشهد لها تاريخ الاتحادات بين الدول مثيلاً، إذ استطاع بشخصيته الكاريزمية، وحنكته السياسية، وقدرته على الإقناع أن يطمئن حكام الإمارات على مصالحهم ضمن هذا الاتحاد، وأن يدفعهم إلى قبول فكرة تأسيسه، بل والدفاع عنه، في مدة زمنية قصيرة لا تتجاوز أربع سنوات، وفي ذلك دلالة كبيرة على أن عبقريته القيادية لم تلجئه إلى إنفاق عمره تخطيطاً وتدبيراً وإقناعاً لتحقيق مشروعة الوحدوي، وإنما جُل ما كان يتطلبه للوصول إلى هذه الغاية هو توفر الظروف الإقليمية والدولية المواتية، وهو ما تحقق له بصورة فعليه في الثاني من ديسمبر 1971، حين فاجأ العالم أجمع بإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، في زمن تتقسم فيه الدول، وتتشظى فيه الأقاليم، وتتشتت فيه الشعوب.
وذكر أن الصعوبة الثانية مواجهة قضية الجزر الثلاث وتبنيها بعد قيام الاتحاد، موضحاً أنه قبل تحقيق مشروع الاتحاد بدأت إيران (الشاهنشاهية) بإطلاق تهديدات ضمنية وصريحة للشيخ زايد، رحمه الله، مفادها أن تبني دولة الاتحاد الجديدة لقضية الجزر الثلاث في الخليج العربي (التي كان الشاه محمد رضا بهلوي يعد العدة لاحتلالها بالقوة العسكرية بالتواطؤ مع بريطانيا العظمى) سيؤدي إلى قيام الحكومة الإيرانية بمحاربة هذا الاتحاد، إلا أن زايد، على الرغم من ذلك، قبل هذا التحدي الإقليمي الجديد، وتبنى قضية الجزر بمجرد إعلان تأسيس الدولة، بوصفها قضية مركزية للدولة والشعب.
وقال الصيادي إن التحدي الثالث تمثل في توحيد القوات المسلحة، والعبور الآمن بالدولة إلى العالمية، لافتاً إلى أن «الدولة الاتحادية الوليدة ما لبثت، بعد سنوات خمس من قيامها، أن دخلت في امتحان عسير يتعلق بمسألة توحيد قواتها المسلحة، وما رافق ذلك من حراك سياسي ووطني، أفضى إلى قرار الشيخ زايد، رحمه الله، بجعل قبول إعادة ترشيحه لمنصب رئاسة الدولة عام 1976 مرهوناً بتوحيد القوات المسلحة تحت راية واحدة».
وتابع «بعد جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة، قام بها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (ولي العهد آنذاك)، تحقق للشيخ زايد ما أراد، إذ أعلن في السادس من مايو 1976 توحيد القوات المسلحة على امتداد الإمارات المكونة للاتحاد، وكان يوماً مشهوداً من تاريخ الوطن، بوصفه تعبيراً عن وحدة الشعب وتجذره عبر الزمن، وفي ذلك اليوم تجلت علامة تاريخية فارقة، لأنه يمثل إيذاناً بانطلاقة الوطن الحضارية، ونهوضه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والوصول به الى مرحلة العالمية».
المصدر: الإمارات اليوم