ذكريات مشحونة بعاطفة الحنين لعصر الكبار في الإمارات تمتد على أكثر من ربع قرن، لم تبرح خيال المصور الهندي راميش شوكلا. هذه الذكريات تحفظها آلاف الصور لزعماء الاتحاد، تتميز بثرائها وكثافتها المتناغمة مع كافة المناسبات، وتستعيد المشاهدات بتفاصيلها، وتحكي قصصاً ومواقف متفردة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله.
مواقف رصدها المصور متنقلاً على دراجته الهوائية بين مدن الإمارات، مدفوعاً بالعرفان، وبشغف الغوص في أعماق شخصية قائد استثنائي رسم ملامح أمة.
حلم العبور
يقول راميش: ولدت وعشت في النصف الأول من القرن المنصرم، وبالتالي عاصرت زمن وجود الهند والخليج تحت سلطة سياسية وإدارية واحدة ممثلة في حكومة الهند البريطانية، وانخرطت في العمل صحفياً ومصوراً متنقلاً بين المدن أدون المشاهد وأوثق الصور وبعضها كانت حقلاً خصباً للوحاتي الفنية، فالرسم من هواياتي المفضلة التي مكنتي في ما بعد من التمرس والدقة في التصوير الفوتوغرافي.
وفي عام 1956 طويت أحلامي وحقيبة سفري متجهاً إلى دبي كغيري من الهنود الذين تلاقفتهم رياح التغيير والبحث عن فرصة على ضفاف الخليج، حيث كان هذا الممر المائي مليئاً بالقوارب الشراعية القادمة من كل أنحاء المنطقة، مُحملة بالجواهر والمواد الغذائية الخاصة بكل بلد من البلدان والمشغولات اليدوية من بلاد فارس والصين والهند.
وكانت حركة الشراء والبيع لا تتوقف عبر خور دبي، فكان أول ما اشتريت في مساء ذلك اليوم دراجتي الهوائية، وبمساعدة التجار المواطنين الذين يجيدون اللغة الهندية، استأجرت منزلي الأول في فريج عيال ناصر.
اللقاء الأول
يضيف راميش: أثناء تنقلي على دراجتي الهوائية بين الشارقة ودبي التقطت صورة أعتبرها تاريخية بالنسبة لي، في العام 1966، للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد وسط جموع من المواطنين. لقد توقف الزمن لحظتها وتحركت ببطء وخفة عدسة كاميرتي العتيقة موديل 1940 روليفلكس، والتقطت تلك الصورة التي أبرزت تقاسيم رجل ارتسم المستقبل الواعد على وجهه، بينما كان يجوب البلاد متفقداً المواطنين وسكان البلاد وحركة التنمية فيها.
ويستطرد: في مساء ذلك اليوم أسرعت إلى منزلي ودخلت إحدى الحجرات التي حولتها إلى غرفة مظلمة مخصصة لتحميض الأفلام وانتظرت ببطء أن تظهر الصور التي التقطتها للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد تحت الضوء الأحمر لتخرج في شكلها النهائي، الذي لا يفارق خيالي على الرغم من مرور أكثر من 50 عاماً على ذلك.
في صباح اليوم الثاني استيقظت على رائحة الخبز التي تلف المكان وقبسات الفجر هادئة، ونسيم هين يداعب الصدور، ارتديت ملابسي على عجل وانطلقت على دراجتي للقاء الشيخ زايد، محملاً بالعديد من الصور، حين التقيت المغفور له بإذن الله الشيخ زايد كان يفترش الأرض مع جمهور من المواطنين الذين تحلقوا حوله، وما إن رآني واقفاً على مقربة من الجموع رفع يده بالسلام مبتسماً، وأمرني بالاقتراب والجلوس إلى جانبه، فلم يكن ينسى وجهاً قد رآه ولو مرة واحدة. كان متواضعاً محباً، ومتحدثاً لبقاً، ينم عن قلب كبير مفعم بالتسامح والعطاء.
يؤكد راميش أنه دهش من ردة فعل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد حين أثنى على مجموعة الصور الخاصة بسموه قائلاً: «راميش أنت فنان» مرحباً بك بيننا، عليك أن تلتقط العديد من الصور من الآن وصاعداً، وهكذا بدأت التواجد في كافة الأحداث بسبب قربي من حلقات الحكام وأصحاب الرأي والقرار.
وفي مكتبي كانت الصور القديمة تملأ الجدران، مناسبات كثيرة يظهر فيها شيوخ الإمارات في أبوظبي ودبي والشارقة والفجيرة، كما تظهر بعض شوارع الإمارات القديمة وهي خالية من بناء اليوم الشامخ، سيارات قديمة أصبحت من ذكريات الماضي وخور دبي في فضاءاته الأولى قبل أن تنبت على ضفتيه العمارات والأبراج.
صروح الخير
كما يشير راميش: خلال ملازمتي للمغفور له في العديد من المناسبات والأحداث المحلية لمست يوماً بعد يوم أن العطاء هو سمة من سمات سموه التي ينثر عبيرها أينما ارتحل، ولم يكن هذا الخيرُ والعطاء قاصراً على أبناء شعبه بل امتدت قيمة العطاء، وشيمة السخاء إلى شتى بقاع العالم من دون تفريق بين جنس أو لون أو دين، فأينما صوبت بصرك في مختلف دول العالم تجد صروح الخير والعطاء التي أسسها الشيخ زايد رحمه الله، تقف شاهدة على عظمة مواقفه الإنسانية، فالمشاريع الحضارية في كثير من البلدان العربية والأفريقية والآسيوية وغيرها التي أسسها من المدن والمستشفيات والصروح التعليمية والبنية التحتية وشق الطرق وحفر الآبار، للارتقاء بحياة الإنسان في هذه البلدان جعلت شعوبَ هذه الدول تلهج باسمه، وتذكر له هذه المآثر الكريمة، وتلك الأيادي البيضاء، وصار اسمه يتردد بين شعوب العالم، حتى عرف بأنه زايد الخير.
صور أيقونة
كان شوكلا مصوراً ورساماً، إذ رسم صوراً شخصية لعدد من الشيوخ، واعتمدت لوحة رسمها للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في أغلب الدوائر والمؤسسات الحكومية. واعتمدت صورة التقطها للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم طابعاً بريدياً.
كما استوحت بلدية دبي من إحدى صوره شعاراً لها، فضلاً عن «مترو دبي» الذي تضم محطاته صوراً له، ومبنى «دار الاتحاد» الذي تزدان صالته التي شهدت توقيع اتفاقية دولة الاتحاد بكثير من صوره التي التقطها في المناسبة.
المصدر: البيان