زرع بذور التسامح بمشاتل التنشئة الاجتماعية بدولة الإمارات العربية المتحدة

آراء

خاص لـ هات بوست:      

     يسجل النموذج الإماراتي، في هذا الصدد، فرادة وتميزا لافتا قياسا بنماذج الجوار الإقليمي. إذ يراهن على المؤسسة التعليمية، متخذا إياها مطية رئيسية لتعزيز القيم وترسيخها لدى الناشئة، منسجما مع ما يدعو إليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يقول في مادته السادسة والعشرين (26): «يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام». universal-declaration-human-rights

     من مكامن التميز والفرادة ذات الصلة بموضوع القيم، يسجل الدارس إقرار وزارة التربية والتعليم الإماراتية لمادة التربية الأخلاقية منذ موسم 2017/2018، هدفها تربية الناشئة على القيم السامية، فضلا عن تأسيس ثقافة تحافظ على سمات التسامح والانفتاح التي طورها المجتمع الإماراتي على مدى العقود القليلة الماضية، وهي احترام الآخر والحفاظ على عادات وتقاليد وتراث وثقافة وقيم دولة الإمارات العربية المتحدة.

 والذي يعنينا هنا هو حضور قيمة التسامح على نحو عرضاني يخترق محور التعلم الرئيسة، علاوة على حضورها الموضوعاتي المركّز ضمن محور الشخصية والأخلاق، والذي يستهدف تدريس القيم الأخلاقية العالمية، مثل الإنصاف والاهتمام والصدق والمرونة والتسامح والاحترام. إضافة إلى حضورها ضمن أهداف البرنامج التي تخدم المواطنة العالمية، حيث ورد بالحرف: الاحتفاء بمبادئ التسامح والانفتاح والاحترام وقبول الآخر.

     ملامح عناية وزارة التربية والتعليم بتعزيز قيمة التسامح تتجاوز هذا المساق الجديد إلى مساقات أخرى ذات كفايات قيمية، وعلى رأسها التربية الإسلامية، فقد قامت الوزارة المذكورة بمراجعة مناهج هذه المادة، من أجل ضمان تعزيزها لقيم السلام والتسامح. كما أطلقت أيضا العديد من المشاريع الأخرى، مثل مشروع تعزيز مبدأ التسامح بين المدارس الحكومية والخاصة، والذي قامت بتطويره وتنفيذه بالتعاون مع وزارة التسامح. ولعل الداعي إلى إطلاق هذا الورش القيمي الإصلاحي هو استشعار تزايد المخاطر الناشئة عن استعمال وسائط التواصل الاجتماعي، علاوة على جملة من التحديات المجتمعية الطارئة.

     لا يصعب على أي متأمل لمجريات الحياة الاجتماعية بهذا البلد أن يلاحظ أصالة منتوجه الثقافي، بمعناه العام، وفرادة نسيجه الاجتماعي. فالبلد يحتضن ما يفوق مئتي (200) جنسية، يعيش أصحابها في استقرار ووئام، متمتعين بحقوقهم المدنية، مساهمين في دورة الحياة الاقتصادية، وهو ما جعل من البلد ملتقى عالميا للثقافات والحضارات، ومركزا لتعزيز التقارب بين شعوب العالم المختلفة. والجدير بالذكر أن منبع الفضل في ذلك ومستهله يعود إلى الرئيس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي جعل الإمارات قبلة لدول العالم المختلفة، بغير انحياز إلى أي جهات متصارعة، مرسخا ما يتحلى به أبناء هذا البلد من قيم الإسلام السمح.

     في السياق نفسه، يقدم مضمار المساعدات الإنسانية شاهدا بارزا. فمنذ تأسيسها إلى اليوم، لم تتوان دولة الإمارات يوماً عن تقديم المساعدات العاجلة للمحتاجين والمتضررين والمنكوبين، ومدت أياديها البيضاء للجميع دون استثناء، وسما عطاؤها فوق الأيديولوجيات وتخطى جميع الحدود والجغرافيا، ولم يفرق بين جنس أو لون أو دين، أو عرق، وكان هدفها وما يزال هو مد يد العون للإنسان، إعلاءً للقيم الإنسانية والروابط والأخوة الإنسانية.