عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«زمان التيه!»

آراء

نشرت وكالات الأنباء العالمية، الأسبوع الماضي، خبراً غريباً ومثيراً، عن مواطن مكسيكي اسمه خوسيه سلفادور البارينغو، لماذا تبدو أسماء المكسيكيين مكسيكية جداً؟! يقول الخبر إن خوسيه قد تاه في المحيط الهادي، بعد إبحاره من المكسيك، وبقي مدة عام كامل في البحر، يصارع الصعوبات الطبيعية والأعاصير والرياح، وفقَد في هذه الرحلة الصعبة رفيق دربه، وعاش مدة أكثر من عام على الأسماك والسلاحف البرية، حتى وصل إلى جزيرة نائية قريبة من جزر المارشال، التي تتوسط المحيط، حيث تمّ إنقاذه ونقله إلى مركز إعادة تأهيل!

قصة جميلة جداً، وقد تتكرر من وقت لآخر، لا أشك إطلاقاً في أن هوليوود ستقوم بتحويلها إلى فيلم سينمائي ذات يوم، ربما إن لم نكن قد رأيناها في فيلم سابقاً، لأن قصص حياتنا أصبحت مؤسسة على قصص رأيناها في الأفلام وليس العكس! ركّز في حياتك جيداً فسترى أنك في كل شيء تقلّد أحد أبطال الأفلام، إما الرجل الحديدي، وإما السلطان سليمان القانوني، أو أبطال فيلم هانق أوفر!

المهم في قصة صديقنا «خوسيه» هو الجانب العملي فيها، حين اجتمع أكثر من 1000 إعلامي لكي يلقوا النظرة الأولى على ذلك الإنسان، الذي لم ير أو يكلم بشراً لمدة عام كامل، كانت هناك صورة ذهنية ما بالطبع، ربما تشبه إلى حد بعيد صورة أسرى الحرب في المعسكرات النازية أو ما يشبهها في العصر الحديث، والأمثلة كثيرة، لكن الحبيب ظهر مبتسماً للكاميرات، قامته ممشوقة، يبدو كأنه يعيش حياة صحية، وكان سميناً تلك السمنة الـ«كيوت» التي تشي بالصحة! وبالطبع كان يحمل علبة «كوكا كولا»!

أفكر كثيراً في خوسيه، فعلياً ما الذي خسره في عام كامل؟ هل خسر أنه وقى جسده من آلاف الميكروبات وعوادم السيارات؟ هل فاتته مئات المعارك الوهمية التي تحدث يومياً بين البشر لسبب أو بلا سبب؟ هل أفلتت منه نشرات الأخبار لمدة عام كامل، وحصل على عام كامل من الراحة ومن المضادات ضد أمراض الكآبة والشيخوخة المبكرة؟! هل حُرم خوسيه مجبراً لمدة عام كامل من تناول أي مأكولات مسرطنة أو ملوثة أو سامّة؟ هل حزن خوسيه على عدم تناوله أي علبة «كوكا» لمدة عام كامل، وحرمان «مصارينه» من أي منتج يحمل الرقم التسلسلي «E-XXX»؟! لا أعرف لماذا يخامرني شعور بأن خوسيه بعد أشهر عدة سيعود ليقف على شاطئ ما في المكسيك يحمل اسماً مكسيكياً جداً بدوره، وينظر إلى الأفق ويقول: ليتني لم أعد!

أتساءل كثيراً، هل كانت قصة خوسيه وهو يبتسم إلى كاميرات التصوير، قصة حزينة ذات نهاية سعيدة؟! أو أنها كانت قصة سعيدة ذات نهاية حزينة؟ لا أعتقد بأنني أعرف الجواب؟!

المصدر: الإمارات اليوم