سفير خادم الحرمين الشريفين في دولة الإمارات العربية المتحدة
للفنون سحرها في التقريب بين البشر، احتفالاً بشتاء طنطورة، (في العُلا غربي السعودية) وبرامجها الفنية، ارتدى الفنان الأوبرالي، بوتشيلي، الغترة والعقال، بينما وضع العازف والموسيقار، ياني، الشماغ على كتفيه، في تعبير عميق عن احترام الثقافة السعودية، واحتراماً للجمهور الذي رحب بهما، فردا التحية بمثلها.
لطالما كانت الفنون عنصر اتصالٍ بين الشعوب والأفراد والحكومات، فالفنون مكمن الجمال، وهي من المشتركات الإنسانية، فلغة الجمال لا تحتاج إلى ترجمة، إذ تنساب بعذوبة للعقول والمشاعر.
لقد حضرت الفنون على الدوام في العمل الدبلوماسي والسياسي، منذ عصور الإغريق، مروراً بشكسبير وآثاره، وحتى هذا اليوم. الفن يدني البعيد، ويذلل الصعب، ويفك المستغلق، فيندر أن تجد شخصاً من دولة، إلا ويعرف فناناً من دولة أخرى، يحفظ له أغنية، أو يعرف لوحة فنية شهيرة، رسمها فنان من دولة أخرى، وهنا تكمن قوة التأثير، وفعالية القوة الناعمة.
والجمال ببساطة، كما يصفه الفيلسوف الألماني هيغل (1770-1831):«هو الصورة، بوصفها وحدة مباشرة للتصور، وحقيقته الواقعية، بقدر ما تكون هذه الوحدة حاضرة في تجليها الواقعي المحسوس، وبعبارةٍ أبسط: الجمال إنما يقوم في الوحدة بين التصور العقلي للشيء وبين وجوده الواقعي، بحيث يكون الشيء جميلاً إذا تطابق التصور العقلي مع التحقيق الفعلي في الوجود، أو بعبارةٍ أكثر بساطة، الجمال هو التطابق بين المفهوم العقلي وبين الوجود الفعلي. وتبعاً لهذا المبدأ، فإن الحياة المعطاة في الطبيعة هي جميلة من حيث أن الحياة هي صورة محسوسة وموضوعية، وذلك بالقدر الذي به تلبس الصورة مباشرةً، كشكل أول طبيعي، شكل الحياة في حضن حقيقة واقعية جزئية ومطابقة».
الفنون بكل مجالها الجمالي، ترسل لمستقبلها إبداعات بشرية، تعبر عن هويتها الثقافية، أو خلفيتها الاجتماعية، ولكنها تبقى في كل الظروف ضمن المشترك الإنساني.
إن معزوفةً لبيتهوفن أو هايدن أو موتزارت، لا يقف تذوق جمالياتها على الأوروبي فقط، بل يستمتع بها الصيني، والهندي، والآسيوي، والأفريقي. فالمعزوفة تحمل خطة الوصول، ولا تحتاج إلى خلفية أيديولوجية، أو لغة شفهية، بل إلى إدراك معتاد، لحالة «تجلي الجميل».
وإثر تطور الدبلوماسية بعد الحرب العالمية الثانية، كان للفنون حضورها الدبلوماسي، إذ استعاد المؤرخون دور الفنون تاريخياً في تمتين العلاقات بين الدول.
أستاذ التاريخ الإنجليزي، «جريمي بلاك» في كتابه المهم «تاريخ الدبلوماسية» تحدث عن أثر الفنون دبلوماسياً، بقوله:«كانت العواصم التي جذبت الدبلوماسيين، ليست كمراكز سياسية فقط، بل ومراكز ثقافية، وكان عصر الباروك، وهو العرف الثقافي الرئيس في أوروبا، أواخر القرن السابع عشر، ملائماً من حيث الشكل والأسلوب لهذه المنافسة… وأدى الفن دوراً كبيراً، فاشترى مبعوث إمارة هيس-كاسل في لندن، رسوماً لأميرها، في منتصف القرن الثامن عشر، وكذلك تلسكوب جيب صغيراً، واستخدمت كاترين العظمى الدبلوماسية للفنون».
وبالتالي فمهمة الفنون، لم تقتصر على الاستمتاع الشخصي، أو تهيئة المناخ للمجتمع، والارتقاء بذائقته، بل تجاوزت ذلك، إلى تعريف الغرباء على الجماليات الوطنية، ونشرها وشرحها.
وأجزم أن أثرَ مسرحِ مرايا في طنطورة، على الزائرين من الشرق والغرب، بل ومن العرب، يتجاوز إيجابياً، حملات محاولات تحسين الصورة، التي خدشها، الإرهاب، وممارسات «داعش» مع الفنون، والتراث، وغيرها.
لقد كان ضمن توظيف الفنون دبلوماسياً، إهداء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الصيني، قبل سنوات، لوحة لفنان سعودي، تمزج تاريخ طريق الحرير برؤية 2030، وكيف تحدث الملك فهد مع ريغان حول الأوبرا، وإهداء الأمير سعود الفيصل، كونداليزا رايس بضع أسطوانات أثيرة عليها في عيد ميلادها.
لا شك أن للفن قوة ليس لها حدود، تتجاوز الحدود واللغات والمجتمعات والأعراق، لتنساب لكل البشر، وهنا مكمن القوة الضاربة، لكنها قوة ناعمة في الوقت ذاته.
المصدر: الاتحاد