كاتبة سعودية
لعل أشهر تمييز للصفوات الاجتماعية في المجتمعات بحسب خبراء علم الاجتماع السياسي، سيجعل فئة المثقفين مع مديري الصناعة وكبار موظفي الحكومة.
فالطبقة المثقفة هي الناقدة للمجتمع والمنتجة للمفكرين التنويريين عبر العصور، ومع اتساع دائرة التحضر الاجتماعي في أي مجتمع تنفصل الحواجز الرفيعة بين فئات الثقافة للتميز بفئتين: المثقفين والأنتلجنسيا، والأخيرة تشير للذين تلقوا تعليما جامعيا مؤهلا للمهن الراقية والعليا.
وبما أن المثقفين من ناحية أخرى هم من يسهم في ابتكار ونقل الأفكار لإحداث التغيير بالمجتمع، فقد تنبهت الحكومة الإيرانية لهذا الشأن وسعت عبر العقود للتوجه نحو المدرسة التعليمية، ببساطة يمكن إحصاء كم العنجهية التي تتخذها السلطة الفارسية ضد المثقف الإيراني من خلال القراءة بلمحة عامة في قوقل، فسنجد المثقف المقتول والمسجون واللاجئ السياسي والمقموع والمشنوق والمنتحر، تحت ابتداعات تهم قضائية لا حصر لها، حتى يتهيأ الجو لصناعة صراع فارسي عربي لا ينتهي عبر الأجيال موجهة للعرب، ومن ثم فدوامة الصراع العسكري والجغرافي والأمني لن تتوقف بل تضاف إليها حزم من أزمات الصراع الثقافي والتربوي الموجهة لطلاب المدارس.
في المقابل لا يزال المثقف العربي يتناول الشأن الإيراني في خطابه الثقافي بالمزيد من السطحية مع العدم الخوض داخل أعماق العالم الباطني الفارسي ليكاد التنوير الثقافي المتعلق بالشأن الإيراني متعلقا في معلومات مستهلكة عن المذهب الاثني عشري وما يتم تداوله من اقتباسات مستهلكة عن قادة المعممين وما يتحصل من قنوات الأخبار العالمية.
تضافر جهد المثقف العربي مع العلماء والباحثين والخبراء للبحث في الشأن الفارسي بالتفصيل ولنقل الأفكار ونقدها أصبح ضرورة.
من جهة ذات صلة فقد أصدر الباحث الأردني والخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور نبيل العتوم العام الماضي دراسة تفصيلية عن صورة العرب في المناهج المدرسية الإيرانية، بين فيها أن إيران تسعى إلى جعل المدرسة التعليمية مصدرا لحقن الناشئة بقيم معدة سلفا لا بد من تلقينها.
هذه القيم ترتكز على تدريس مفاهيم العقلية المذهبية الشيعية المبشرة بقيام الإمبراطورية الشيعية المهيمنة على العالم والتي سيقودها الإمام المهدي المنتظر.
وبينت الدراسة أن المطلوب من المدرسة الإيرانية التعليمية أكبر مما هو مطلوب من مثيلاتها حول العالم لأن أهدافها أعمق بكثير.
تستمد إيران هذه الأهداف من مصادر المذهب الشيعي حتى تجسد معتقدات الإيرانيين وتحمل تراثهم عبر التاريخ وترسم في المخيلة أن القومية الفارسية حضارة رائدة متفوقة عبر التاريخ مع الحرص على إيجاد تفاعل مستمر بين المذهب والقومية نتاجه المستمر هو التفرد والريادة والتفوق وقيادة العالم.
بالرجوع إلى دور المثقف والسياسي، فإن المأمول دائما من المثقف عبر تاريخ علم الاجتماع السياسي أن يكون منتجا للأفكار ورؤى التنوير والتغيير التي يحتاج إليها السياسي حتى ينفذها، إلا أن حالة المثقف العربي الراهن استثنائية فمجملا لم يعد له الوهج في المجتمع العربي، ربما لخيبة آمال المجتمع من النتاج الفكري والفلسفي، كما أن حالته الخاملة تستند على الانتشاء الفكري من التغذية المستوردة من القيم السياسية وإلى حد كبير تجعل من السياسي صانعا للتغيير لا منفذا لرؤى المثقف.
حالة الفوضى التي تقوم بها إيران في المجتمع العربي من خلال التنسيق المنتظم الجماعي المتوائم بين الصفوات الفارسية الثقافية والسياسية والدينية والتربوية تحتاج إلى مثيل مقابل كفؤ ناهض لكبح جماحها في المنطقة، ما يرى اليوم من جهود لكبح الجماح الفارسي حاليا في العالم العربي يعد قاصرا فقط على القوى العسكرية والأمنية مع انشقاق وحدة الصف المذهبي وانحسار التنوير الثقافي عن المسرح وتذبذب جودة التعليم والتطوير التربوي.
المصدر: مكة أون لاين