كاتبة سعودية
عِشرة عمر لعقود في تفاصيلها أربعون عاما من الأزمنة عاشها السعوديون على اختلاف الحقب الملكية السياسية وهم لا يكادون يعرفون أكيدا إلا وزير خارجيتهم المتصدر على عرش اللباقة الديبلوماسية حول العالم سمو الأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود متعه الله بالعافية والصحة. والاسم بحد ذاته يحمل من الترف والبذخ ما يفوق وصف كل أحبار الزمن ومواهب الرسامين في التعبير عن الجودة والفخامة الوصفية لبانوراما الشعور والإحساس العظيم في دواخلهم.
شعرت كسعودية بحزن وفراغ نفسي كبير عندما استيقظت مشدوهة تملؤني حسرة ليس من سبيل إلا تقبلها على خبر إعفاء الفيصل بناء على طلبه ولظرفه الصحي، علامة حاسمة في وجدان كل سعودي وسعودية لو كان للناس خيار ضامن للفيصل بقاءه مزيدا من الزمن على المنصة الديبلوماسية لما ترددوا. هكذا سنة الحياة تتقلب الصفحات بناء على رغباتنا أو رغما عنها.
المقالات والأخبار والتغريدات والتقارير والعالم بأسره حديثه الأبرز عن الفيصل، أغلب هذا الجيل من أبناء وبنات الوطن لم يعاصروا البدايات المبكرة للأمير سعود الفيصل في شموخ الوطن به سياسيا في كل المحافل الدولية، ولكننا نشأنا وبعضنا استيقظ على أمجاد مشرقة في صفحات الزمان رسمت للسعودية توجها سياسيا رصينا هادئا حصيفا فخما له وقع السيف ودقة الرمح ووثبة الضرغام وحكمة الشيوخ الذين لا يستغني عنهم الزمن. لا يوجد في سجل السياسة الخارجية السعودية وديبلوماسيتها إلا ما يجعلها جديرة بالثقة والقوة والفخامة والتميز، هذا ما جعل المطالب أن تستثمر الأسطورة الفيصلية السياسية في ما يؤرخها للأجيال القادمة.
لا أظن أن تسمية شارع أو جامعة أو غيرهما من مطالبات إقامة النصب التذكارية يكفي لحفظ ما يلهم أبناء المملكة سياسيا مستقبلا، نحن أمام مدرسة لا تزال على قيد الحياة في فصولها مناهج سياسية وديبلوماسية ضخمة أعيت كثيرا من المؤامرات وأنجحت كثيرا من المبادرات وعززت كثيرا من التحالفات الدولية على مر الزمن، بصياغات حكمة ورصانة وقيادة تعبر عن بيت آل سعود.
لم أحفل بالقرب ونيل الشرف بالعمل ضمن منظومة وزارة الخارجية التي قاد دفتها على مدى أربعين عاما أقدم وزير خارجية في العالم، وعميد الديبلوماسية، وشيخ وزراء دول خارجية العالم الأمير سعود الفيصل، ولكن المنهج المشرف الذي تحول إلى نبراس تحذو حذوه سائر الديبلوماسيات العالمية لا بد أن يكتب وأن يبحث فيه وأن يوثق على مدى أوسع من دائرة المعهد الديبلوماسي التابع للوزارة، ما يضر لو تعلمت وتربت عقول الأجيال السعودية ثقافيا وتربويا وعلميا على منهجية سعود الفيصل السياسية، وإن لم تنتم عمليا للعمل الديبلوماسي المباشر، المفارقة أن الفيصل أيقونة يجمع العالم بأسره على أهميتها، ولذلك فإنشاء كراسي بحث لعمل دراسات مرجعية موثقة تحمل اسم الأمير سعود الفيصل في كليات العلوم السياسية تعمل على توثيق منهجه وحفظه من التهميش أو التضييع بفعل متغيرات الزمن والأجيال، أصبح مطلبا مناسبا خصوصا لو جمعت المنهجية كاملة تحت إشراف سموه لاحتمالية التعديل أو إبداء الرأي.
كما أن الكرة اليوم في مرمى كليات الإعلام الخاملة في جميع الجامعات السعودية نوعا ما عن مسايرة الركب في إنتاج الأفلام الوثائقية المهمة التي توثق الأحداث المتنوعة التي تهم المملكة العربية السعودية، لأنني لا أجد مبررا في رمي هذا الكاهل التوثيقي كل مرة للقنوات الخاصة المشكورة على جهودها في توثيقها لما تتحصل عليه. لقد فقدنا الكثير من المواد الوطنية المهمة المتعلقة بمسيرة ملوك وحكام المملكة والقياديين من جيل الرواد بعد عقود قليلة من نمو الأجيال الجديدة وترجل الأسلاف الطيبة.
أريد أن أكتب كثيرا ولكن حينما يكتب القلم عن أسطورة سعودية أجمع العالم على تميز الوطن بها، فلا أقول إلا أن الفيصل كشامة خده، شامة على منهج السياسة الخارجية السعودية للأبد.
المصدر: مكة أون لاين