أكد ميشال ميرالييه، السفير الفرنسي لدى الدولة، أن الإمارات اكتسبت خبرة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب الذي يضر المجتمعات بشدة، وتقدم نموذجاً متحضراً للإسلام الذي يحترم جميع الأعراق والأديان، في إطار التسامح والحوار والتفهم وقبول الآخر، لافتاً إلى أن الإمارات لا تقوم بدحر الإرهاب بالعمليات العسكرية فقط، إنما بدورها البارز في حماية التراث الإنساني، الذي تضرر من جراء الأعمال الإرهابية لجماعات مثل القاعدة وداعش في مناطق عدة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. ووجه ميرالييه الشكر إلى الإمارات قيادة وشعباً على مساندتها لفرنسا بعد حادث نيس الإرهابي، الذي راح ضحيته عشرات الأبرياء.
وقال السفير الفرنسي لدى الدولة في حوار مع «الاتحاد»: «أمام هذا المصاب الذي ضرب فرنسا في 14 يوليو الجاري، يوم عيدنا الوطني، أتقدم باسم رئيس الجمهورية والحكومة وجميع الفرنسيين بصادق الشكر، لقيادة الإمارات ولكل المواطنين الإماراتيين على رسائل الدعم والتضامن والتعاطف التي وجهوها إلى السفارة الفرنسية بأبوظبي».
وأضاف: «أحيي التزام السلطات الإماراتية الحازم والدائم بمكافحة الإرهاب، وأنا على يقين بأننا سنهزم هذا الوباء معاً»، مضيفاً: «إن هجوم (نيس) أبرز أن أشكال الإرهاب لا تنفك تتطور من باريس في نوفمبر الماضي إلى أنقرة وبروكسل والعراق ومصر والسعودية وأماكن عديدة في العالم، ولا يمكن القضاء على الإرهاب بالحديث فقط، وإنما بتنفيذ السياسات التي تم اعتمادها، ومنها تبادل الاستخبارات والمعلومات والتعاون الأمني الوثيق مع الإمارات في هذا الصدد».
وأكد ميشال ميرالييه أن دولة الإمارات تقوم بدور فعال لإصلاح ما أفسده الإرهاب والتطرف العنيف الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط ودولاً عدة في العالم، حيث نجحت الإمارات اليوم في استغلال الفرصة لتكوين قوة عسكرية تعمل الآن في اليمن لإعادة الشرعية ولمكافحة إرهاب القاعدة وداعش.
علاقة متميزة
وأضاف «العلاقة بين فرنسا والإمارات متميزة جداً وتاريخية، تظهر من خلال اقتراب رؤساء سابقين مثل جاك شيراك وفرانسوا ميتران من دولة الإمارات، لاهتمام الإمارات بعلاقاتها واحترام الجوار ليس فقط في الشرق الأوسط لكن أيضاً لرؤيتها الثاقبة للقضايا على مستوى العالم، حيث إن علاقاتها تبنى على الثقة»، مشيراً إلى أن العلاقات تطورت خلال الثلاثة أعوام الماضية بشكل لافت ولم تعد تقتصر على الصداقة أو الشراكة بل أصبحت الإمارات فاعلا مهما يمكن الاعتماد عليه، حيث إنها حققت نجاحات اقتصادية غير عادية وتطوراً عسكرياً، واكتسبت القدرة لتصبح لاعبا فاعل.
وأضاف: الآن يمكن أن نرى الإمارات قريبة منا في محاربة الإرهاب علاوة على البعد الدبلوماسي للعلاقات الإماراتية المتميزة، ونحن نبحث دائما وننظر لعلاقاتها الاستراتيجية مع الشرق مثل الهند والصين.
مؤتمر عالمي للتراث
ولفت إلى أن ما يزيد العلاقات قوة الاقتراب الثقافي بين فرنسا والإمارات والذي يتجسد في «متحف اللوفر أبوظبي» والذي يعد شعاع أمل في الوقت الذي تعاني فيه عدة دول بمنطقة الشرق الأوسط من التطرف والإرهاب، لافتاً إلى أن هذا الصرح الذي تم إنشاء أول متحف له في فرنسا عام 1817 ليتخذ موقعاً جديداً في أبوظبي بالإمارات العربية المتحدة، وذلك بناء على الانفتاح على الآخرين واحترامها للمنطقة والحفاظ على عاداتها وتقاليدها في الوقت نفسه علاوة على موقع دولة الإمارات في منتصف العالم، حيث يصبح المتحف المطل على مياه الخليج العربي بين دول شرق آسيا ويمكن للغرب الوصول إليه أيضا.
وأشار إلى أن متحف اللوفر – أبوظبي في جزيرة السعديات يعد من المشروعات المهمة لما له من آثار إيجابية على تعزيز تدريس اللغة الفرنسية لاستمرار ما بدأته جامعة السوربون، لافتاً إلى أن هناك حاجة إلى تدريب الكوادر الجديدة لإدارة المتاحف والفنون، علاوة على تنشيط السياحة، حيث إنه من المتوقع أن 20٪ من السياح الذين يحضرون لمشاهدة اللوفر أبوظبي يذهبون إلى فرنسا أيضاً، مضيفاً أنه المشروع الثقافي للقرن الواحد والعشرين، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الثقافية بين البلدين تطورا حيث الوجود في العديد من الفعاليات، من أهمها المشاركة في أسبوع الأفلام الفرانكفونية هنا في الإمارات.
وكشف السفير الفرنسي، أنه تقرر في الاجتماع الأخير لمجموعة الدول السبع الكبرى أن يتم اتخاذ إجراءات لحماية التراث الإنساني العالمي من عواقب الإرهاب خلال العصر الحالي مثل تدمير التمبكتو على يد القاعدة، وتدمير تماثيل بوذا على يد طالبان، وكان ذلك بعد إعداد تقرير، شمل مقترحات عديدة في إطار الاتفاقيات الدولية.
عقود من الشراكة
وأكد أن الشراكة مع الإمارات بدأت منذ عقود وفي مختلف المجالات في التطور التكنولوجي وتحديث المعدات، وأفضل ما حققته الإمارات هو الاستثمار في سلاح الطيران والمقاتلات وتدريب الطيارين الإماراتيين، وجعلهم الأفضل في المنطقة، علاوة على صفقات طائرات مقاتلة ناجحة تمت، وحققت الإمارات ضربات ناجحة لدحر الإرهاب في اليمن الذي يعد الأهم من بين النجاحات التي تم تحقيقها في إطار التعاون بين البلدين، موضحاً أن التعاون الاقتصادي يشهد تركيزاً، خاصة باقتراب «إكسبو 2020»، حيث تقوم شركة فرنسية كبرى بتنفيذ مشروع تمديد خط المترو الذي يصل لمساحات أكبر في المعرض علاوة على مشروع «ترام دبي».
ولفت إلى أن لا حدود للإرهاب وإذا اتخذنا داعش والقاعدة كمثال فهم منتشرون من أفغانستان إلى اليمن، وهناك العديد من الدول العربية التي تحارب هؤلاء الإرهابيين، وأن حضور فرنسا في المنطقة مثلما كان ذلك بتواجد حاملة الطائرات «شارل دي جول» في المنطقة، إلا أن أشكال التواجد لابد وأن تختلف مع الوقت، فنحن نتعاون مع القوات البرية الإماراتية في التدريب، خاصة أن القوات الإماراتية أصبح لديها خبرات عديدة .
وأضاف: «الوضع في اليمن متشابك إلى حد كبير، وما كنا نأمله أن تحقق مفاوضات الكويت تقدماً وتقارباً بين الأطراف إلا أن الوضع معقد للغاية».
الإسلاموفوبيا
قال ميشال ميرالييه: تربينا مع المسلمين وكنا لا نعرف أي شيء عن الإسلام أما الآن فيعرف الطلاب في المدارس أكثر عن شهر رمضان وعن العبادات، مؤكدا أن الإسلاموفوبيا لن تحد من حرية حركة المسلمين، والدليل على ذلك أن طلبات تأشيرات الزيارة من مختلف الجنسيات سواء كانوا عربا أو آسيويين في تزايد مستمر.
27 ألف فرنسي يقيمون في الإمارات
عن الإحصاءات التي تشير إلى وجود الجالية الفرنسية في الإمارات، قال ميرالييه: «الإحصاءات تشير إلى أن في الإمارات نحو 27 ألف فرنسي، وقبل عشرة أعوام كان العدد 12 ألفاً، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد بحلول عام 2025»، مضيفا أن المساواة في مجتمع الإمارات من أحد المقومات التي تجذب الجاليات المختلفة سواء للعمل أو الاستثمار. وأضاف: تعد فرنسا المورد السابع للإمارات والثالث أوروبياً، ويوجد 250 شركة فرنسية تعمل في الإمارات، في حين إجمالي حجم التجارة بين البلدين بلغ 5.2 مليار يورو في عام 2014، وزادت الصادرات الفرنسية للإمارات بمعدل 2.1٪. وتركزت الصادرات الفرنسية إلى الإمارات خلال السنوات الماضية لتعكس حجم التنوع في الأعمال، حيث شكلت الطيران ومعدات تكنولوجيا الاتصالات، علاوة على أن السنوات الماضية شهدت استحواذ الصادرات الثلاثة الأكبر من حجم التجارة بين البلدين، حيث بلغت نسبة معدات النقل 28.5٪ بقيمة 1.17 مليار يورو، والسلع الاستهلاكية 25.8٪ بقيمة 1.057 مليار يورو، والسلع الرأسمالية نسبتها 23.2٪ بقيمة 953 مليون يورو.
نموذج للتسامح
عن رؤيته للحالة التي تسود مجتمع الإمارات من التسامح واحتواء الأديان والتعدد الثقافي، قال السفير الفرنسي: «الإمارات نموذج للتسامح، واستطاعت أن تحتضن مئات الجنسيات»، لافتاً إلى أن افتتاح كنائس جديدة ومعبد هندوسي، يعكس حرص القيادة الرشيدة على خلق مجتمع متسامح ومتعايش، ويعد نموذجاً فريداً، حيث يمكن أن تدخل الأماكن العامة، وتجد مختلف الجنسيات والأعراق من دون أي مشكلات أو عنصرية.
المصدر: الإتحاد