كاتب وإعلامي سعودي
على رغم الألم والمرارة التي تعتصرنا على ما تمر به مصر من أحداث جسيمة تهدد السلم والأمن الاجتماعيين فيها، إلا أنه كشف لنا أن ما يدعيه الإخوان من أن محمد مرسي كان رئيساً لكل المصريين غير دقيق، فتنظيم الإخوان هو تنظيم عالمي يتخطى حدود الدولة الوطنية، من يشاهد ويتابع مثلاً المتعاطفين وأتباع هذا التنظيم في منطقة الخليج يعرف ما أقصده، فشرعية مرسي أصبحت همهم الأول، والويل لمن ينتقد تجربة حكم الإخوان في مصر فالتهم لديهم جاهزة بالعمالة والخيانة والعداء للإسلام، ومشكلة هؤلاء أنهم اختزلوا الإسلام في تنظيم سري إقصائي.
ممارسات الإخوان في مصر هي من أسقطتهم في تجربتهم الأولى في الحكم في أهم دولة عربية، وقد سعوا إلى ذلك منذ إنشاء التنظيم منذ 80 عاماً، فقد فرضوا الدستور على الشعب المصري باسم الغالبية، على رغم انسحاب القوى الوطنية الأخرى من لجنة صياغته، فالدساتير بالعالم والدول الديموقراطية تُقر بالتوافق كعقد اجتماعي لجميع مكونات أي أمة وشعب، ولا يمكن فرضه من فصيل واحد لأنه فاز بانتخابات برلمانية، فالإخوان في مصر كان واضحاً منذ وصولهم إلى الحكم في مصر هو «أخونة» الدولة المصرية والسيطرة عليها إلى الأبد، فهم حاولوا على رغم أن الثورة المصرية لم تكن ثورتهم لوحدهم، على رغم ترددهم في المشاركة فيها في بدايتها، ولكن بسبب ضعف المعارضة المصرية التقليدية من القوى الليبرالية واليسارية، وعدم وجود قيادات وأحزاب وخبرة للقوى الثورية الشبابية التي فجرت الثورة، استطاع الإخوان سلب الثورة المصرية عن طريق صناديق الاقتراع، وذلك يعود إلى عملهم الدؤوب وتنظيمهم الجيد على مدى عشرات السنين، إضافة إلى برامجهم الخيرية التي ينشطون فيها في المناطق الفقيرة والمحتاجة في أي مكان يوجدون فيه.
لا شك أن الأنظمة السياسية السابقة تتحمل مسؤولية الكثير مما تمر به مصر وغيرها من دول الربيع العربي من أزمات وفتح الباب أمام تنظيم مثل الإخوان للوصول إلى الحكم، فكلنا يتذكر استخدام السادات لهم في سبعينات القرن الماضي، عندما أطلق العنان لهم في حرية العمل السياسي داخل الجامعات المصرية، وذلك لضرب التيارات الناصرية واليسارية، وهذا ما تم بالفعل، ولكن كلنا يعرف نهاية ما حدث للسادات من جماعات جهادية خرجت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين، إضافة إلى استغلالهم للظرف الدولي بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) عندما وصل الغرب إلى قناعة بإيجاد والتعامل مع قوى إسلامية معتدلة وراهن ولا يزال يراهن عليهم، ولكن تجربتهم في مصر تدل على أنهم قوى تسعى إلى الانفراد بالحكم تحت شعارات إسلامية تخدع بها الجماهير البسيطة في دول ضعيفة من ناحية التنمية السياسية وانتشار الأمية والجهل فيها، فقاموا على توظيف الإسلام بشكل سياسي، فكيف للقوى الأخرى أن تقف في وجه مثل هذا التنظيم الذي يرفع راية الإسلام، وكأن المعارضين له هم ضد الإسلام في مجتمعات إسلامية يعني لها الدين الشيء الكثير، وباعتقادي أن مشكلة الإخوان في مصر أنهم يحاولون أن يفرضوا قناعاتهم السياسية مغلفة بخطاب ديني يدّعون عصريته، إضافة إلى أن المجتمع المصري مجتمع منفتح وفي الوقت نفسه متدين بطبيعته.
هذه التجربة التي تمر بها مصر والتي لا نعرف نهايتها حتى الآن إلا أنني على قناعة بأن مثل هذا التنظيم قد سقط شعبياً، وهذا يمثل ضربة قاسية له بسبب أن معظم من يؤيدونه كانوا من الطبقات الشعبية، فكلنا شاهدنا في المظاهرات الأخيرة المناهضة لحكم الإخوان أن معظمهم غير منتمٍ لتيارات سياسية تقليدية، بل نجد بعض النساء المجبات والمنقبات خرجن في تلك المظاهرات المناؤية لحكم المرشد.
البعض يقول إن هذه هي الديموقراطية ونتائج الانتخابات التي علينا احترامها كما في معظم الدول الديموقراطية، ولكن من يتابع التجارب الديموقراطية في تلك الدول يلاحظ أنه على رغم تغير الأحزاب التي تقود تلك الدول لا تغير في مضمون وشكل دولها وقد ينحصر الاختلاف بينها في كيفية تقديم الخدمات إلى مواطنيها من صحة وتحسين في التعليم وغيرهما، وقد يطول التغير شكل السياسات الخارجية لتلك الدول، أما تجربة الإخوان فقد كانت تسعى إلى «أخونة» المجتمع المصري ثم الأفراد بالحكم حتى لو وصل الأمر إلى تقسيم البلد، كما حدث ذلك في السودان، لذا علينا الوعي بخطورة الأحزاب الدينية في مشهدنا السياسي العربي، ليس لخطورة ذلك على المجتمعات العربية والإسلامية ولكن على الإسلام نفسه.
المصدر: صحيفة الحياة