يبحث اللاجئون في مخيم اليرموك عمّا يسد الرمق في حاويات القمامة، في حين ينتظر العجائز المسنّون في الشوارع مستسلمين أن يودّعوا هذا العالم. إنه الموت البطيء في مخيم اللاجئين الفلسطينيين الضخم الواقع جنوب دمشق والمحاصر منذ أشهر من الجيش السوري.
وفي مخيم الرعب هذا الذي نشرت وكالة تابعة للامم المتحدة صوراً صادمة له هذا الأسبوع، تظهر آلاف السكان بوجوه هزيلة ينتظرون توزيع مساعدة، قال الناشط رامي السيد لـ”فرانس برس”: “نحن نعيش في سجن كبير، لكن على الأقل في السجن هناك الغذاء. هنا لا شيء. نحن نموت على نار هادئة”.
أجساد هزيلة في كل مكان
وأضاف الناشط في اتصال معه عبر الانترنت: “أحياناً تكون من حولي مجموعات من الأطفال ويتوسلون لي قائلين (بالله عليك نريد أن نأكل أعطنا طعاماً) وطبعاً ليس لديّ ما أوفره لهم”.
ويفرض الجيش السوري منذ صيف 2013، حصاراً خانقاً على المخيم، ما جعل المدنيين فيه يعيشون في ما يشبه الغيتو وفي عوز تام.
ويقول السيد: “نأكل الأعشاب ونعد منها أحيانا حساء لكن طعمها مر، حتى الحيوانات لن ترغب في احتسائها (…) واذا قصدنا حقلاً لجمع أعشاب، يطلق قناص علينا النار”.
ويضيف الناشط الشاب: “الأمر مأسوي فعلاً. في الشوارع ترى الناس وقد هزلت أجسادهم ووجوههم خالية من الحياة. ويمكن قراءة الحزن في كل مكان”.
وحتى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) التي توزع منذ كانون الثاني (يناير) الغذاء بشكل متقطع على السكان المحاصرين، تبدو غير قادرة على مواجهة هذا الوضع الانساني.
وقالت الاونروا في بيان: “تنتظر صفوف من الوجوه الهزيلة (…) وسط مجاعة اطفال، رزم مساعدات. وجه امرأة يعتصرها الالم بعد فقدان طفلها ودموع فرح والد يجتمع بابنته التي فقدها لفترة طويلة، هذه نماذج لحالات انسانية (…) اضحت الشأن اليومي للاونروا”.
وقالت الوكالة انها وزعت منذ كانون الثاني (يناير) نحو 7500 رزمة غذاء للسكان المحاصرين في مخيم اللاجئين باليرموك “ما يمثل قطرة في محيط”، حيث لا تكفي رزمة المساعدة أسرة من خمسة افراد أكثر من عشرة ايام.
ويقول السيد: “امس (الاربعاء) تلقى 10 في المئة فقط من السكان المساعدة”. ويؤكد علي زويه، الفلسطيني أن “هذه المساعدة لا تكفي إلاّ لبضعة ايام”.
وقضى أكثر من مئة شخص بسبب نقص الغذاء منذ تشرين الاول (اكتوبر) 2013، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وتحدث فيليبو غراندي مدير الاونروا لدى زيارته الثلثاء مخيم اليرموك عن ظروف الحياة “الصادمة” التي كان شاهداً عليها، واصفاً رؤيته لسكان المخيم بما يشبه “ظهور اشباح”.
ويذكّر يأس سكان مخيم اليرموك، بوضع سكان احياء محاصرة في حمص حيث استخدم النظام السوري الأسلوب ذاته لإخضاع مسلحي المعارضة.
دمار ونقص في العلاج
وبعد أشهر من المعارك المحتدمة بين مقاتلي المعارضة السورية والقوات النظامية ومن القصف، لم يعد يقيم في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين سوى 40 ألف شخص بينهم 18 الف لاجئ فلسطيني. وكان يضم قبل الثورة السورية 150 الف لاجئ فلسطيني.
وأصبح قسم كبير من مخيم اللاجئين الفلسطينيين، ركاماً بعد المعارك التي توقفت في الآونة الأخيرة وانسحب مسلحو المعارضة من المخيم بموجب اتفاق مع الفصائل الفلسطينية في المخيم.
وعلاوة على نقص الغذاء هناك نقص في العلاج. ويقول السيد: “في المستشفيات هناك جرحى لا يمكن علاجهم لانه لا يوجد اطباء ولا ادوية”.
ويضيف الفلسطيني علي: “رأيت شاباً جريحاً أصيب بشظايا في الساق. لا يمكن أن يتحسن حاله إلاّ إذا غادر المخيم”.
ويؤكد الناشط رامي ان سكان المخيم “منهكون تماما”. وينقل عنهم قولهم: “إما اتركونا نخرج أو اقتلونا”.
المصدر: بيروت ـ أ ف ب