كاتب إماراتي
قبل أيام؛ عاد رائد الفضاء، سكوت كيلي، بعد أن قضى عاماً – تقريباً – (340) يوماً في محطة الفضاء الدولية التي تدور حول الأرض على ارتفاع 400 كيلومتر، وبذلك يكون أول رائد فضاء أميركي يقضي هذه الفترة في الفضاء، ويأتي عالمياً بعد الروسي فاليري بولياكوف الذي قضى في محطة الفضاء الروسية «مير» 438 يوماً بين عامي 1994 و1995. إلا أن سكوت حظي بفرصة ذهبية لم يحظَ بها فاليري، فمحطة الفضاء الدولية تُعَدُّ مختبراً ذكياً يدرس العلماء، من خلاله، تأثير انعدام الجاذبية على الإنسان. الفرصة الأخرى التي حظي بها سكوت هو أخوه التوأم مارك الذي استعانت به (ناسا) لإجراء دراسة موسعة على التغيرات التي تطرأ على التوائم. وقبل أن ينطلق سكوت إلى المحطة، تم فحصه مع أخيه بدقة متناهية، بدءاً بتسلسل الحامض النووي إلى الفحص الجسدي والنفسي. وخلال عمل سكوت في المحطة، اشتركت 12 جامعة لدراسة التغيرات التي تطرأ على الأخوين، فكان سكوت يأخذ عينات من فضلاته، ولعابه، ودمه ويرسلها إلى العلماء في (ناسا)، ثم يقومون بمقارنتها بعينات أخيه الموجود في الأرض. وبسبب انعدام الجاذبية في الفضاء وتعرّض الإنسان لكميات كبيرة من الأشعة الضارة، فإن كتلة عظام الجسم تتغير، وتتحرك أماكن السوائل في جسده، حتى نظره يتغير لتغير حجم مقلة العين. واكتشف العلماء بعد مراقبة مستوى نظر سكوت أنه تغيّر فعلاً، لكن الغريب أن نظر مارك تغيّر أيضاً، رغم أنهم مازالوا ينتظرون تأكيد ذلك. وإلى جانب دراسة التغيرات الجسدية والجينية على الأخوين، يدرس العلماء التغيرات النفسية التي طرأت على سكوت أثناء جلوسه في الفضاء، حتى يخططوا لرحلة الإنسان إلى المريخ بشكل أفضل. لكنهم في الوقت نفسه يريدون أن يعرفوا علمياً إذا كان التوائم يتأثرون بمشاعر إخوتهم حتى وهم يعيشون في مكان بعيد جداً. كيلي وزميله الروسي ميخائيل كورنينكو، الذي قضى معه المدة نفسها في المحطة، دارا حول الأرض أكثر من 5000 مرة، بمعدل دورة كل 90 دقيقة – سرعة المحطة تبلغ 28 ألف كم تقريباً – وشَهِدا قرابة 11 ألف شروق وغروب. وحتى يعرف العلماء كيف يؤثر الفضاء على الحيوانات، أرسلوا مجموعة من النمل إلى المحطة، وبدؤوا بدراسة التغيرات التي تطرأ عليها، وكانت أولى الملاحظات أن النمل فقدوا القدرة على تنظيم أنفسهم. وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، استطاع الإنسان أن يزرع الخس ويأكله في الفضاء.
إن هذه التجربة الإنسانية العظيمة حَرِيَّةٌ بأن نقف عندها ونتأملها قليلاً، فهي خطوة صغيرة في مسيرة طويلة للهبوط والاستقرار على كوكب المريخ، وربما لغزو الفضاء حقاً. إن ما قام به كيلي وزميله عمل ملهم دَوَّنَه التاريخ على صفحاته بماء الذهب، وستبقى البشرية مدينة لهؤلاء الرجال النبلاء الذين يلهموننا لنفكر كثيراً وننظر بعيداً نحو السماء، ومن يدري، فقد تغيّر هذه التجربة المليئة بالكشوفات العلمية مسار البشرية. شكراً لسكوت وميخائيل، وشكراً لكل من سخّر حياته لخدمة العلم والارتقاء بالجنس البشري.
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم