تحظى المناقشة حول سلامة موسى (المُفكر) بمبحث موسع في مختلف المنابر المعرفية. وقيمة تناول أطروحاته الفكرية، تكمن في (المقدرة المنهجية لاستثمار أفق سياسة التفكير)، من خلال تحليل حركة سلامة موسى في الفترة ما بين عام 1887 إلى عام 1958 التي مثلت أكثر الحقبات ثراء في التاريخ المصري الحديث، حيث شملت تحولات سياسية واجتماعية. ودراسة منظومة التصورات الإنسانية لدى سلامة موسى، تؤهل المجتمعات العربية لإعادة بناء آليات التفاعل الفكري.
وللإلمام بتعدد الأوجه الفكرية لما طرحه موسى سلامة، يلزم الاختزال والتطرق إلى 3 محاور رئيسة: أشكال حس التكوين لدى (المفكر)، أثر استمرارية التطور الذاتي لـ (المفكر)، ومناطق خلق الصراعات «السياسية» و«الدينية» و«العلمية» في حياة المفكر.
إن تأثر سلامة موسى العميق بنظرية التطور لتشارلز داروين التي أسست معظم أطروحاته المنطقية، تمثل إحدى أقوى الأسس التكوينية في تناوله لـ (الفكر المنطقي)، ما يقودنا إلى سؤال عن مدى الحاجة الفعلية لمنظومة نظرية النشوء، في التفكيك الصريح للتراكم المعرفي ومواجهة الوعي المجتمعي العربي. عملياً هي قدمت نقلة ذاتية واضحة لشخصية (المُفكر)، لذلك فإن (العقل) بوصفة (صانع) الحالة و (الذات) بوصفها المخزون الشعوري والحسي، تلمست الأثر بتجاوزها الدائم نحو البحث عن الحقيقة.
يعتبر سلامة موسى الدين «رأياً خاصاً»!، ويكتب في كتابه «تربية سلامة موسى»: «إني أومن بالمسيحية والإسلام واليهودية، وأحب المسيح، وأعجب بمحمد وأستنير بموسى، وأؤمن أيضاً بالطبيعة وجلال الكون، ولا أنسى المعنى الديني في نظرية التطور، وأجد هذا المعنى الديني في جمال المرأة وقداسة الأمومة وشرف الإنسانية، وأنا رجل قد أكسبتني الثقافة النظرة الشاملة للحياة والكون، وأعتقد أنه لا يمكن للإنسان أن تتكون له شخصية دينية سامية ما لم يكن مثقفاً قد حقق النظرة الاستيعابية للكون».
وتؤسس التجربة الوجودية التي عاشها المفكر سلامة موسى بنقطة التحول في الفكر، ما يقودنا إلى الشكل السياسي والاجتماعي والديني في المجتمعات العربية، هل يخول لفضاءات مفتوحة لطرح (الوعي) كخيار استراتيجي لا ينحاز إلى أسس ثابته للحقيقة، بل يطرحها كخيارات، مع الاقتناع بأن مهمة المجتمع تتركز في (تعليم) خوض تجرية الاختيار نفسها؟
وقد يتساءل البعض حول ما إذا عاش سلامة موسى ـ بعيداً عن مضمون فكره ـ مرحلة اختيار لوعيه الخاص المرتبطة بقرار التطوير الذاتي، المنحاز لطبيعة ولادته بقرية بهنباي القريبة من الزقازيق لأبوين قبطيين، وسفره إلى باريس، ولقائه بالاشتراكيين الفرنسيين، وتأثره بفولتير.
في هذا السياق، يأتي تعليق الكاتبة بَسنْت موسى، حول كتاب «هؤلاء علموني» للمفكر سلامة: «بدأ رسم خريطة حياته نحو عام 1906، حيث قرر الذهاب إلى أوروبا بعد أن ساءت أحواله العائلية وهناك انبسطت له آفاق وأحلام جديدة، وذلك من خلال تعلمه اللغتين الفرنسية والإنجليزية فاختلط بعناصر جديدة في تلك المجتمعات، وقرأ العديد من الكتب التي بعثت النور في عقله والشجاعة في قلبه فقرر منذ ذلك الوقت، وهو في نحو العشرين من العمر، أن يكون متمدِّنا مثقفا، وعاش باقي سنوات عمره كما يقول في خصومات بسبب قراره هذا».
أما في ما يخص مناطق خلق الصراع عبر المكونات «السياسية» و«الدينية» و«العلمية»، فهي تنتج إشكالية فقدان التلمس الحقيقي للحراك الفكري، واستيعابه كـ (خلق) يضاهي الطبيعة في تشكلاتها العميقة، خاصةً أن المكونات أعلاه، تجسد (إلزام)، يفصل اتحاد العقل مع الروح في قدرتها على إحداث التطور المطلوب بفقدان تنوع الخيار الاستراتيجي لأشكال الوعي، وتسبب هذا الصراع لعقود، في اختفاء بانوراما من التجارب التنويرية كبيئة سلامة موسى الفكرية، وغيرها من الحالات الإنسانية وطبيعة تشكلها، عن وعي الفرد لإحداث التطور البشري.
وحظيت تجربة سلامة موسى بدراسات عدة تطرح مثل بحث الناقد المغربي د. كمال عبداللطيف، صاحب كتاب «سلامة موسى وإشكالية النهضة»، الذي تقول هويدا صالح عنه:«من أجل إبراز دور الفكر في صناعة التاريخ وتوجيهه، عمد الباحث المغربي كمال عبداللطيف إلى مقاربة مشروع المفكر التنويري سلامة موسى، بهدف كشف جهوده في التنوير ودفاعه المستميت عن ضرورة الاستفادة من الفكر المعاصر، ورغم أن عبداللطيف سجل أطروحته الجامعية الأولى عام 1974 في فكر سلامة موسى بهدف بناء تصوره لمشروع النهضة العربية إلا أنه في كتابه «سلامة موسى وإشكالية النهضة» الصادر عن دار «رؤية» في القاهرة يتخذ موقفاً نقدياً مما يسميه مشروع سلامة موسى، أو «المشروع الموسوي».
ويصف الباحث في كتابه أن الهدف النبيل لسلامة موسى والكامن خلف مشروعه هو الرغبة الجادة في تجاوز الوضع المأزوم والتأخر الحضاري، بإحلال العقلانية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومواجهة النظرية السلفية وممارساتها وإقامة المجتمع المدني.
المصدر: الإتحاد