افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، صباح اليوم، المقر الجديد لبيت الشعر بمنطقة قلب الشارقة، وأزاح الستار فور وصوله عن اللوح التذكاري، إيذاناً بافتتاح المبنى. وألقى سموه كلمة بهذه المناسبة، حيّا فيها الحضور من الشعراء والكُتّاب والإعلاميين، مشيراً إلى أنه يتابع جميع فعاليات وأنشطة بيت الشعر في الشارقة، وغيرها من المدن العربية، لمكانة وأهمية الشعر في حياة الناس. وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة في كلمته أصل (الشعر) في التراث العربي، موضحاً أن أصلها يرجع إلى عهود سابقة، نشأت مع بدايات تجمّع القبائل في مكة المكرمة وحقبة الأنباط الذين استخدموه للتواصل ونشر الأخبار.
وتساءل سموه: «ما هو الشعر؟ نقول أحياناً: ليت شعري من فلان ما أصابه، أي ليت عِلمي، إذن كلمة الشعر معناها العلم، وليس النظم أو غيره، وأصلُ الكلمة هو العِلم». واستعرض سموه الأسباب التي جعلت الشعر بهذه الطريقة التي هو عليها الآن، متناولاً أصل (العرب)، وتجمّع القبائل حول بئر زمزم، وعملهم في سقاية الماء، وفترة حُكم أبناء (نَبَط)، وهو ابن سيدنا إسماعيل عليه السلام، الذي بقي في مكة المكرمة بعد أن ارتحل والده سيدنا إبراهيم عليه السلام منها. وسرد سموه تاريخ الأنباط، الذين رحلوا إلى جنوب فلسطين، ومنها انتشرت تسميتهم بذلك، عندما عرّفوا من يسألهم عن أصلهم بأنهم من سلالة نبط، وتاريخ عدد من الممالك والحروب التي نشأت وفق تسلسل تاريخي في ذلك الوقت، حيث أقام الأنباط دولتهم بعيداً عن الجزيرة العربية، بعد أن هاجروا إلى الشمال، ولاتساع الدولة اختاروا أسلوب الشعر، لإرسال الرسائل التي يريدونها، وقالوا هذا إعلام نبطي، يعني أخبار النبط، مشيراً سموه إلى تصحيحه لعدد من المفارقات التاريخية في تسجيل تلك الأحداث. ولفت صاحب السمو حاكم الشارقة، خلال كلمته، إلى أهمية الشعر في حياة المجتمعات، والإسهام في الكثير من المجالات، كونه إعلاماً يُعبّر عن المجتمع. وقال سموه: «إن الشعر، الذي نحن نظّن أنه محصور في الغزل أو المدح أو غيره من أغراض الشعر اليوم من المُفترض أن يحوي الدنيا كلها، وأن يكون وزارة إعلام، ويغطي كل مناحي الحياة، وليس محصوراً في هفوات أو زلات ومكاسب، دعونا من هذه اللحظة أن نعطي هذا الاسم (الشعر) مكانته، ونقول إن الشعر سيكون وسيلة للرسائل إن كانت في الحماسة أو غيرها، أي هو إعلام، ولذلك يا أهل الشعر افتخروا بأنفسكم». وأكد سموه، في ختام كلمته، أن افتتاح المقر الجديد لبيت الشعر، يُمثل بداية مرحلة جديدة، تستمرُ فيها جهود تفعيل الشعر، وكل المناحي الأدبية الأخرى، إلى مستويات أرقى مع التجويد، وأثنى على جهود القائمين على مسابقة مجلة القوافي الثقافية، لاختيار أفضل القصائد المنشورة فيها كل عام، مشيراً إلى أن ذلك سيكون بناء على لجنة محايدة، تنظرُ في النصوص بعيداً عن المجاملة، التي ربما تؤثر على اللغة نفسها، ولمزيد من التدقيق في اختيار القصائد، وذلك حتى يكون التقييم صادقاً والخطوات مدروسة، وتمنى سموه لهم التوفيق. كان حفل الافتتاح قد انطلق بقراءات لثلاثة من شعراء الإمارات، تناولوا فيها تجربتهم مع الشعر والأدب، وما تنطوي عليه أحاسيس من يقرض الشعر. واستهل القراءات الشاعر عبد الله الهدية بقصيدة بعنوان «ما زلتُ أنظمُ قافية»، أثنى فيها على جهود بيت الشعر في دعم الشعراء، وقال: فأنا على شَرْعِ الصراحةِ أرتقي جبلاً يُعزّز بالثباتِ ثوانيَا وأنا بغيرِ ضياءِ شارقةِ العُلا ما عِشتُ في ظلّ السُّرور ثوانيَا فبِظلّ سلطان الثقافة قدوتي أجِدُ الذي فِعْلاً يُنيرُ حياتيَا وبفضل ربّي ثم فضلِ سموه هذا أنا ما زِلتُ أنظمُ قافية. وألقت الشاعرة شيخة المطيري، قصيدة بعنوان «الشاعر»، عبّرت فيها عّما يجول في خاطر من يكتب الشعر من مشاعر متنوعة، وذلك لما يمثله له من ملاذ آمن من الحياة، قالت فيها:
يُهاجر من أرض إلى شبه غيمة وتحمله قبل الرجوع ظباؤه على مهل الأيام تمضي حياتنا وتجري به ريح فيعلو نداؤه وحيداً سيمضي دون أي قوافل ويتبعه في السائرين رثاؤه. واختتم الشاعر علي الشعالي القراءات الشِعرية، بقصيدة بعنوان «علياء»، عبّر فيها عن الغزل كأحد أغراض الشِعر القديمة المتجددة، قال فيها: يا لِلمساء! وللجنون حلاوةٌ هيهات عينُ العاذلين تُصيبها هذي الجنانُ مراتعي ومرابعي شوقاً أظلّ أصونُها وأجوبُها أفنانُها، لله درُّ سوادِها مجدولةٌ، والطولُ ليس يَعيبُها والماءُ يجري دوننا، وحيالنا تدنو القطوفُ، وآن لي تشذيبها. ويحوي بيت الشعر في مقره الجديد، عدداً من المرافق والقاعات المتعددة، توفّر ملتقى متميزاً للشعراء وأصحاب الكلمة، ويضيفُ معلماً ثقافياً بارزاً، إلى ما تقدمه الشارقة إلى الأدباء والكُتّاب والمثقفين من بيئة مناسبة للإبداع، ويُمثّل أحد الأركان الرئيسة لمشروع الشارقة الثقافي، الذي يأتي بدعم سخي ورعاية متكاملة، من صاحب السمو حاكم الشارقة، ووفق رؤية ثاقبة من سموه، لخدمة الشعر العربي وشعرائه، في كافة أنحاء الوطن العربي، حيث تنتشر بيوت الشعر في المدن العربية، على غرار بيت الشعر في الشارقة، وينتظم فيها حراكٌ ثقافي كبير طوال العام. وتقوم رسالة بيت الشعر في الشارقة على الالتزام بدعم المسيرة الثقافية والشعرية، لمحبي الشعر العربي، عبر الاهتمام بالطاقات الإبداعية الشابة، بهدف تحقيق التنمية الثقافية المستدامة. ويحظى الشعر كأحد فروع الأدب العربي الواسعة، بتاريخ عريق ومكانة مرموقة في الحياة العربية، ويُوصف بأنه «ديوان العرب»، وحامل حكاياتهم في جميع المناحي الاجتماعية والأدبية والسياسية والتاريخية وغيرها. وضمن برامجه وفعالياته المستمرة، يعمل بيت الشعر في الشارقة على إثراء المشهد الأدبي والشعري، عبر تواصل الشعراء مع بعضهم البعض، والاستفادة من تجاربهم من خلال الأمسيات الشعرية والمهرجانات الثقافية التي ينظمها، إلى جانب الندوات الفكرية، والجوائز الثقافية والورش المتخصصة لتطوير مواهب من يقرضون الشعر من الأجيال الجديدة، ودعمهم بطباعة دواوينهم الشعرية، وتوفير المكتبات المتخصصة، وبما يتميز به بيت الشعر في الشارقة من برامج غير مسبوقة، وما يقدمه لأهل الشعر وحركة الثقافة من خدمات متميزة، وتوفير المناخ المناسب لهم، وسبق أن تم تتويجه بالعديد من الجوائز التقديرية والتكريم على المستويين المحلي والإقليمي. حضر الافتتاح إلى جانب صاحب السمو حاكم الشارقة، كل من عبدالله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، والدكتور عبد العزيز عبد الرحمن المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، ومحمد عبيد الزعابي، رئيس دائرة التشريفات والضيافة، وعدد من المسؤولين والشعراء والمثقفين والإعلاميين من مختلف الدول العربية.
المصدر: وام