أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، أننا أصبحنا في نهاية الظلمات والصراعات التي يعيشها عالمنا العربي، وما هي إلا سنوات قليلة وتنتهي هذه المرحلة الصعبة، وتشرق الشمس من جديد على بلادنا العربية، بإذن الله تعالى.
وقال سموه خلال لقائه رؤساء ومديري تحرير الصحف ووسائل الإعلام المحلية، في جناح الإمارة، الممثل بهيئة الشارقة للكتاب المشارك في فعاليات الدورة السابعة والثلاثين لمعرض باريس للكتاب، إن على العرب والمسلمين اليوم بناء مزيد من العلاقات الثقافية والتجارية والاقتصادية مع العالم لتبديد الصورة الخاطئة التي تحاول رسمها الجماعات المتطرفة عن بلداننا وديننا.
وأوضح سموه أن المشكلة الحقيقية في تقديم الصورة للآخر هي أنه إذا أصابتنا مصيبة انزوينا وهربنا منها، واستشهد سموه بحالة الغياب العربي عن الفعاليات والمحافل الثقافية الدولية.
قال سموه بعد أن تعرضت الولايات المتحدة للهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر، غابت المشاركات العربية الثقافية عن أمريكا، وكانت الشارقة حاضرة، وعرضنا وقدمنا ثقافتنا للغرب، مؤكداً سموه تعهده بتقديم الدعم لمشاركتهم لكون تواجدهم ومساهماتهم مكسباً للعرب.
واعتبر سموه أن الآخر يريد منا أن نختفي ونغيب عن المشهد العالمي، وأن الكثيرين يراهنون على ذلك «لكن المفروض علينا بأسلوبنا وذكائنا أن نبني صداقات ونرتبط بأشكال من التعاون تعمل على تقريب العلاقات والاستفادة منها بما يناسبنا كعرب ومسلمين، وليس التفريق والابتعاد والانزواء».
الدين والعادات
أكد سموه أن الدين والعادات والتقاليد خطوط حمر لا نتهاون فيها، ونتحصن بها في التواصل مع الآخر. وأوضح أن التعاون مع الآخر مهم جداً، لتبادل العلم والتقنية، مع الحفاظ على ثوابتنا.
وأعرب سموّه عن سعادته بزيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى جناح هيئة الشارقة للكتاب في المعرض، وقال سموّه: «أبلغَنا الرئيس الفرنسي أن الشارقة هي ضيف شرف الدورة القادمة من معرض باريس للكتاب 2018، ونتمنى -إن شاء الله- أن يكون هذا المعرض معرض خير، ويزيد التعاون بيننا وبين الآخر».
وتحدث سموّه عن حاجة الشعوب إلى بعضها بعضاً بغرض التكامل وخدمة البشرية، وقال: «إن الآخر بالنسبة إلينا مهم جداً؛ لأن العلم والتقنية لديه، ونحن لا نأتي من فراغ، فنحن كنا أصحاب هذه الثقافة وهذا العلم، ولكن مرَّت علينا فترة كُمون. ومن يريد التواصل مع الآخر، لا يجب أن يظن أنه فارغ، بل عليه أن يتأكد انه يملك جزءاً من هذه الثقافة، بل ويملك الجزء الأهم الذي كان في بداية العصر، عندما كانت أوروبا في عصر الظلام».
التواصل مع الآخر
وأضاف سموّه: هناك محاذير بشأن التواصل مع الآخر، فهذا القادم ربما يتعالى بعلمه، ويترفع، نحن نقول: نأتي ونحن محصنون لأمور كثيرة؛ لأن الآخر له أسلوبه وحياته المختلفة. وتوجد محاذير بشأن الإقبال على الحضارة الأوروبية بمناهج غير سليمة، فهناك منهج نسميه «المنهج الاستشراقي»، و«المنهج النفسي»، و«المنهج المجتمعي». وبالنسبة لمنهج الاستشراق، فالاستشراق فيه خير وفيه شر. ناس أتوا في صورة رحالة، وفي الباطن لديهم مآرب أخرى، لكن بعضهم صادق في دعواه.
أما المنهج النفسي، فإن الغرب لديه منهج خاص، وهو منهج قائم على نظرية فرويد، وهي نظرية معروفة تنتقل في مفاهيمها إلى الجنس، وإلى الجسد وما إلى ذلك. فنحن نحذر من أخذ هذا المنهج. وبالنسبة إلى «المنهج الاجتماعي»، فالغرب أتى ومعه الوجودية. وفيها مباحث كثيرة أخذناها نحن في المشرق، أو في العالم العربي، على أساس الحداثة وما بعد الحداثة.
وقال سموه: لو جاءت الحضارة الغربية بنفسها من دون أن نسعى لها، فإنني حينها أسميها رجع صدى، هذا الصدى الذي يأتي من دون تدخلنا، فهو يكون مغلفاً بالجرأة على المقدسات، والاعتماد على اللا يقين، ما يعني أنه يعمل على تحييد ما بداخلنا من إيمان، وتاريخ، ومقومات إسلامية.
وحذّر سموه من رجع الصدى الغربي بمحمولاته، التي لا تتناسب مع الثقافة العربية والإسلامية بقوله: إن هذا الصدى جاء ليفجّر لغتي، ويجعلها مضادة، صدّامة، لذلك علينا أن نحذر من دخوله علينا، فهو الذي جاء معه مستعمر لتفتيت التاريخ الإسلامي، حيث لم يأتِ ليشرح التاريخ الإسلامي ككتلة، وإنما راح يستعرض تصرفاتٍ فردية في دويلات مختلفة.
وأكد صاحب السمو حاكم الشارقة بعد تقديم رؤيته لمفهوم العلاقة مع الغرب، والتعامل مع الآخر، أن العالم العربي يحتاج إلى تحصين نفسه قبل الارتباط بأي علاقة مع ثقافة مختلفة، فقال: «قبل أن آخذ أي شيء عليَّ أن أُحصن نفسي، فيجب أن أكون ذاتي، وأكون مسلماً متمكناً من إسلامي، وديني، ولا بد أن ندرس الاختلافات التي يمكن أن تسبب إشكالات وأزمات في المجتمع».
الندية
وأكد سموه أن معاملة الآخر تحتاج إلى الكثير من المحاذير، ويقول سموه: أنا من الناس الذين يتعاملون بهذا الأسلوب، أحذر، أتردد كثيراً، وأحياناً يقولون الشيخ متردد، وطبعاً هذه كلها محاذير، لأنك ستأتي وتضع هذه الأمور في مجتمع، وهذا المجتمع يمكن أن ينحرف؛ ولذلك التعامل مع هذا لا بدّ أن يكون على مستوى من الندية، وليس من الضعف، من القبول والرفض وليس من الإملاء؛ ولذلك نحن لدينا مثلاً جامعات، ومؤسسات، وأتابعها بنفسي، حتى لا يكون هناك أي شيء مُخل.
لدينا مثلاً، مكتبة الجامعة الأمريكية، هل نقبل أي شيء كما يأتي؟ الإجابة: لا، ندرس كل شيء من الألف إلى الياء، الكتاب الذي نقبله نتركه في المكتبة، والكتاب الذي لا يناسبنا نقول: لا نريده.
وأضاف سموه: هناك الكثير من المجالات التي يمثل التعاون فيها مع الغرب أو الآخر، فرصة وإضافة لثقافتنا ومعارفنا، منها التراث، متوقفاً بذلك عند مشروع «تراث العالم في الشارقة»، بالقول: «كل شهر تستضيف الشارقة دولة لتعرض تراثها، وفي المقابل تشارك خارجياً وتزور بلداناً عدة، وهذا ينطبق على مجال الفنون، والموسيقى، والمسرح»، معتبراً سموه أن الشارقة تنفتح على هذا النوع من التعاون، لأنه لا يحمل ما يفرضه عليها، فالعلم هو العلم، وما شاب ذلك لا يقبل.
لم أغلق الباب ولديّ خطوط حمر
تحدث صاحب السمو حاكم الشارقة عن التواصل مع الآخر مع التأكيد على وجوب تحصين النفس، ويقول سموه: يقول أحدهم: انت أغلقت الباب علينا، وأنا أقول: لا، في مجالات نحن نتعاون فيها، أنا أريد أن أتعاون مع الآخر في أمور مشتركة، في التراث، والفنون، والموسيقى، والمسرح، ونحن نذهب إلى الخارج ثلاث أو أربع مرات كل سنة، لنطلع على ثقافات الآخرين ونتواصل معهم في ما هو نافع.
يتساءلون – والكلام لصاحب السمو – كيف تضع أنت يا شيخ سلطان لنفسك خطوطاً حمراً، هذه الخطوط الحمر لا أخرج عنها، وهي الدين والالتزام به، لكن توجد هناك عادات وتقاليد لهذه الشعوب. نحن نتعامل مع العلم، نتعامل مع المعرفة، ومثل ما جاء في القرآن الكريم: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»، ولكن لا تنساقوا مع بعض؛ ولذلك الدين له خطوط حمر، وللعادات والتقاليد خطوط حمر أخرى، حتى لا ندخل في متاهات؛ ولذلك نحن نأمل إن شاء الله، من كل من أراد أن يتعامل مع الآخر، أن يأخذ هذا المنهج التوضيحي، وإذا لم يأخذ، فهو وشأنه، وما أنا إلا مبلغ.
المصدر: الخليج