يؤمن بضرورة أن يكون الكتاب في كل يد، والمكتبة في كل بيت، والمعرفة تعم ربوع الوطن لتضيف المزيد والمزيد إلى إنجازاته اليومية.. معرفة تمتد لتنتشل الأمة من عثراتها كي تستعيد مكانتها اللائقة بها.
يؤمن أيضاً بأهمية أن يتزود كل البشر بالثقافة، التي تمنحهم الأمل وتعلمهم التسامح، وتجنبهم التطرف والتشدد، وترتفع بوعيهم لتنقذهم من الحروب والصراعات.. ثقافة تزرع في نفوسهم السعادة، وترتقي بهم ليبصروا العالم بعين تتذوق كل هذا الجمال الذي يحيط بهم من مختلف الجهات.
لم يتوقف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة يوماً عن العمل على هذا الهدف وتحويله خطوات عملية على أرض الواقع، والقصة طويلة من الصعب أن نحيط بفصولها كافة في هذه السطور.
البداية كانت في العام 1982، مع انطلاق الدورة الأولى من معرض الشارقة للكتاب. في تلك اللحظة كان بإمكاننا أن نقرأ ملامح رؤية استراتيجية تتعلق بضرورة الارتقاء بقيمة ومكانة الكتاب، ولكن المشكلة الكبرى التي يعرفها كل مهموم بحال الثقافة تتمثل في كيفية الوصول بالكتاب إلى الجميع.
مع نهايات النصف الأول من القرن العشرين أطلق طه حسين مقولته الشهيرة: «إن التعليم كالماء والهواء»، وأعتقد أن عميد الأدب العربي لو كان حياً بيننا الآن لقال: «إن الكتاب كالماء والهواء»، فمخرجات التعليم أصبحت في تطور مستمر نلمسه جميعاً، إلا أن القراءة والإقبال على الكتاب في عالمنا العربي في حال نأسف لها جميعاً.
وإذا كانت كل حكومة تأخذ على عاتقها الارتقاء بالتعليم، لأسباب عدة، فإن إنتاج الكتاب العربي منوط في الأغلب بجهود فردية أو مؤسسات ضعيفة التمويل، وإذا كان هناك مردود مادي ما للتعليم، يعود على الفرد والأسرة ومن ثم المجتمع، فإن الثقافة عموماً والكتاب بصفة خاصة لا عائد من ورائهما بنظر البعض.
للأسف، لقد كانت الريح دائماً في عالمنا العربي ضد الكتاب والقراءة، وهو ما يوضح لنا حجم المهمة التي أخذها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على عاتقه منذ أربعين عاماً، ونجح فيها إلى درجة الإدهاش، فمن ثالث أكبر معرض للكتاب في العالم، إلى إمارة تحولت قبلة للمثقفين، إلى حزمة من المبادرات والجوائز، إلى حتى أبنية معمارية تحتفي بالكتاب، ولا يمكن لأي متابع لجهود سلطان إلا أن يحيي هذا المشروع.
ولكن هل توقفت مشاكل الكتاب؟ بالطبع لا، فهناك فكرة ليست في العالم العربي وحده، بل هي فكرة عامة يؤمن بها معظم البشر مؤداها أن الكتاب وسيلة تخص النخبة أو المثقفين أو الباحثين، ومن هنا أهمية وقيمة الحملة العالمية التي أطلقتها هيئة الشارقة للكتاب أمس تحت شعار: «إذا مهتم بشيء، يعني مهتم بالكتاب»، وهي حملة تستفيد في تميزها من بعدين غائبين في العديد من الثقافات، الأول أننا لم نعتد في منتجنا الثقافي أو المعرفي أن نتوجه إلى العالم، ولكن الشارقة من موقعها عاصمة عالمية للكتاب 2019، تكمل المشوار لتقول للجميع، إن حصولنا على اللقب لم يكن مجرد مناسبة احتفائية، لكنه استحقاق يعقبه فعل وإضافة حقيقية وملموسة نقدمها للعالم بأكمله، فالكتاب حق أصيل لكل إنسان، وهو ليس وسيلة للتنوير أو التثقيف أو إثراء الوعي فحسب، لكنه أيضاً مصدر سعادة للبشر كافة.
أما البعد الثاني فيتمثل في ذلك المفهوم الجمالي والجديد الذي أضافته الحملة للكتاب، فكل المهتمين بالاقتصاد والعلوم والموسيقى والرياضة والموضة وألعاب الفيديو.. إلخ، هم قراء محتملون، ما عليهم سوى الوصول إلى الكتب التي تعنيهم، ومن خلال استثمار شغفهم بهواياتهم سيقرأون ما يناسبهم وما يحبونه، وهي طريقة مبتكرة للحث على القراءة، فمن خلال فكرة بسيطة وتلقائية تهدف الحملة إلى تشكيل قاعدة من القراء كانت حتى وقت قريب خارج توقعات الجميع.
الكتاب حق أصيل لكل البشر، ومصدر متعة لهم.. ذلك هو هدف الحملة، وتلك هي رسالة الشارقة إلى العالم.. فشكراً سلطان على لحظة سعادة منحتها لنا في صحبة الكتاب.
المصدر: الخليج