يحتوي كتاب «صراع القوى والتجارة في الخليج 1620م-1820م» لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على مادة علمية تاريخية بامتياز، وهي دسمة ليس بمقدور أرباب التاريخ الاستغناء عنها، وحتى أن المثقف مهما كانت هويته إذا أمعن فيها وغاص في محتوياتها يحكم من دون تردد أن كل فصل من فصولها يصلح أن يكون أطروحة دكتوراه تحكي بوضوح كيفية صراع القوى المحلية والعالمية بينهما وبين بعضها بعضاً على خيرات هذا الساحل المتصالح الذي دائماً هو ينبض بالحياة خلال قرنين من الزمن.
اهتمت هذه الدراسة بتنقيح تاريخ الخليج خلال تلك الحقبة الزمنية، من أخطاء المؤرخين.
برهن لنا الكتاب أن تاريخ الخليج قد كتب بأقلام متعددة الجنسيات وفقاً لمصالح أرباب كل قلم ونوع الاقتصاد الذي ينادي به ويدعو له، وجميعها لم يعط الخليج حقه مع أنه مصدر اقتصادهم الأساس ومحور الحركة التجارية بين الشرق والغرب.
وكان اهتمام تلك الأقلام مسلطاً فقط على التفوق الأوروبي في مجال التجارة، كما هو الحال مع التفوق الهولندي وشريكه المتمثل في شركة الهند الشرقية، فكانت الغلبة التجارية لهما بامتياز.
ووضحت هذه الدراسة للتاريخ أن الإنجليز في تلك الحقبة كانوا ينظرون للساحل العربي بأنه لا تتوفر فيه السلامة البحرية بسبب ضحالة بعض مياهه، وعدم توفر رؤوس جبال عديدة لتكون علامة دالة للملاحين، لذا هم يرون أن المرافئ الفارسية أكثر أماناً للملاحة من المرافئ العربية.
وتمخضت من هذه الرؤية حقيقة تمسكوا بها مفادها: أن الطريق الآمن الذي يضمن سلامة التنقل واستمراره بين بريطانيا والهند هو طريق الخليج، سواء كان بممرات فارسية أو عربية، لا طريق البحر الأحمر.
هذه الدراسة مركزة جداً وجميع جملها هي عناوين لمواضيع عديدة يبحث من خلالها سموه عن الحالة السياسية للقوى المحلية الخليجية، وعن الحالة الاجتماعية لها، وعن مياه البحر وثرواته، وعن العملات والتبادل التجاري وعن الأمكنة والبقاع، وعن ثقافة القبائل العربية القاطنة في الخليج، وعن زعماء القبائل الذين حكموا الخليج براً وبحراً، وعن الحروب التي دارت وكيف عالجوها، عن تيارات المياه والمد والجزر وهطول الأمطار، وأمور أخرى يقف عليها الباحث عند دراسته للكتاب.
وأنا أصافح المؤلف وأشد من أزره مهنئاً له هذا السِّفْر الجديد، وإن شاء الله يتحفنا بأسرار جديدة من أسرار هذه البقعة من الأرض مستقبلاً.
وقد وضعت هذين البيتين تثميناً لجهود سموه، وهذا قليل بحقه:
كم من أب قد علا بابن له شرفاً
كما علا برسول الله عدنان
وكم خليجي قد علا فخراً بقائده
كما علا ساحل الخير علماً بابنه سلطان
المصدر: الخليج