قصة نجاح الملياردير رجل الأعمال السعودي، سليمان الراجحي، تختلف عن كل القصص الملهمة التي سمعنا وقرأنا عنها، لأنها تجسد حكاية رجل فقير بدأ من الصفر وعاد إليه طواعية، بعد 80 سنة من الكفاح والتحدي. حيث تبرع بثروته المقدرة بـ7.4 مليارات دولار، حسب مجلة «فوربس»، ثلثاها للأعمال الخيرية وثلث لأبنائه، ليعود فقيراً مثلما بدأ، قائلاً: وصلت لمرحلة الصفر مرتين في حياتي، إلا أن وصولي هذه المرة كان بمحض إرادتي.
الطفل الفقير..
الراجحي الذي نشأ فقيراً، عمل في بداية حياته حمالاً وكناساً وطباخاً وقهوجياً وصرافاً، إلى أن أسّس «مصرف الراجحي»، أول بنك إسلامي في السعودية، وأحد أكبر البنوك الإسلامية في العالم، بقيمة 33 مليار دولار أميركي، ويبلغ رأسماله أربعة مليارات دولار، ويعمل فيه أكثر من 8000 موظف. كما امتلك الراجحي العديد من الشركات المساهمة في التنمية الزراعية والصناعية والتعليمية والخيرية. لم يكمل الراجحي تعليمه، وترك مقاعد الدراسة في الصف الثاني الابتدائي وكان كثير التغيب عن المدرسة بسبب انجذابه الشديد للتجارة، يقول في أحد حواراته مع صحيفة «عكاظ» إنه في طفولته اشترى طائرة ورقية بقرش واحد كان لا يملك سواه في جيبه، وفككها ليتعرف على طريقة صنعها، ثم جمع سعف النخيل ليصنع منه الطائرات، ويبيعها بنصف قرش.
عامل في المزارع
في سن الـ12 بدأ سليمان الراجحي جمع البلح لأصحاب مزارع النخيل، الذين كانوا يدفعون له ستة ريالات شهرياً لقاء ما يقوم به من عمل. ثم انتقل للعمل بوظائف بسيطة مختلفة، فعمل كناساً وحمالاً وحارساً وطباخاً، ولم يكن يتردد في القيام بأي عمل مهما كان بسيطاً، الأمر الذي أكسبه خبرة واحتكاكاً مع الناس. كما عمل في البناء، واكتسب خبرة جيدة بالسوق وأساليب التعامل مع فئات المجتمع المختلفة.
يقول الراجحي «لم أكن أفطر، كنت حمّالاً لأغراض الناس، وأنتظر الثوب الوحيد حتى يجف لألبسه».
حينما بلغ عامه الـ15 كان يدّخر القرش على القرش – على حد قوله في أحد اللقاءات الصحافية – حتى تمكّن من إنشاء دكان بسيط خاص به، يبيع فيه بعض السلع الاستهلاكية كالشاي والسكر والحلوى والكبريت.
تمكن من خلال عمله في البقالة من جمع 1500 ريال، وهي ثروة كبيرة في ذلك الوقت، فحقق رغبة والديه في الزواج، رغم أن ذلك كلفه كل ما جمعه، ويقول الراجحي: «وُفقت بالزواج من أربع نساء ساعدنني في حملي الكبير».
بعد سنوات قرر سليمان الراجحي العمل مع شقيقه الأكبر (صالح) في مؤسسة صرف العملات، فكان يغير العملة في شوارع مكة للحجاج، ويحمل الطرود والأمانات على ظهره لإيصالها للمطار، فيقطع ما يزيد على 10 كيلومترات ليوفر أجرة الحمال والنقل، ولم يكتفِ بذلك فتاجَر في أوقات فراغه في الأقفال والأقمشة ومواد البناء لتحسين دخله.
تأسيس أكبر بنك
في عام 1970 قام سليمان بافتتاح شركة خاصة به لتبادل العملات، بعد أن انفصل عن أخيه (صالح)، وبدأت أعماله تنجح وتتوسع، وحقق نجاحاً باهراً، وتنامت ثروته واستثماراته. وفي عام 1987 أسس سليمان الراجحي مصرف الراجحي، برأسمال 15 مليار ريال، وتعددت فروعه لتصل إلى 500 فرع، كما يمتلك أكبر شبكة صرافات آلية في السعودية بعدد يزيد على 2750 صرافاً في جميع أرجاء المملكة، إلى جانب عدد كبير من الفروع المنتشرة في العالم. ودخل الراجحي العديد من المجالات التجارية الأخرى، فكان يمتلك شركة للورق والبلاستيك، فضلاً عن امتلاكه عدداً كبيراً من الأسهم في شركة الاستثمار الأسرية التي تنفذ العديد من المشروعات الزراعية والصناعية داخل المملكة، وخارجها كما في إفريقيا وأوروبا الشرقية.
بالإضافة إلى امتلاكه شركتَي «الوطنية للصناعة» و«الوطنية للنقل»، وقد احتفظت شركة الراجحي بأصول أخرى تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، بما في ذلك «الدواجن الوطنية» التي تعتبر من أكبر مزارع الدواجن في منطقة الخليج.
ثوب عمره 30 سنة
حافظ ثالث أغنى رجل في العالم العربي، حسب تصنيف «فوربس»، على تواضعه وحبه للعمل، فكان يتابع رغم كبر سنه أعماله بشغف، ويراقب كل شيء بنفسه، ويتمنى لو أن الأسبوع تسعة أيام ليقضيها في العمل، فهو أول من يأتي إلى مكان العمل وآخر من يخرج منه.
كما كان يعتمد لبس ثوب أبيض عمره أكثر من 30 عاماً، لكي يذكر نفسه دائماً بأنه كان فقيراً، ولكي لا ينسى ماضيه وبداياته، وقد كتب في وصيته أنه لا يريد أن يقام عزاء بعد موته بل التبرع بالأموال لجمعيات خيرية.
الملياردير الزاهد
توفي الراجحي الذي اشتهر بحبه للأعمال الخيرية عام 2017، عن عمر 97 عاماً، بعد أن قام بالتبرع بثلثَي ثروته التي بلغت قيمتها سبعة مليارات دولار، كأوقاف خيرية، ووزع الثلث الباقي على أفراد عائلته، وأنشأ شركة أوقاف سليمان الراجحي القابضة، وقام بتوزيع الأرباح الناتجة من استثماراته المختلفة على المشروعات الخيرية التي تعنى بالفقراء والتعليم وبناء المساجد، كما قام ببناء جامعة سليمان الراجحي في مسقط رأسه بالبكيرية التي تركز على الصحة والصيرفة الإسلامية إلى جانب كليات أخرى.
«غينيس»
سجّلت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية مزرعة الراجحي كأكبر وقف خيري في العالم، ويبلغ عدد النخيل فيها 200 ألف نخلة.
المصدر: الإمارات اليوم