قررت الفرنسيتان سمرا وصالحة، البحث عن جهاديين، ليصبحا فارسي أحلامهما، وذلك بعد أن شاركتا في فيلمين وثائقيين، إلى جانب أخريات، عن حظر النقاب؛ إذ قررتا الانضمام إلى الجماعات المقاتلة في سوريا، في خطوة منهما إلى دعم المقاتلين في جبهة النصرة أو تنظيم داعش، عبر ما يسمى بـ«جهاد النكاح»، العام الماضي، واتخذت الفرنسيتان، وهما في العقد الثاني من عمرهما، مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة في الطريق نحوهم. وقالت: إنيس دي فيو، مخرجة الفيلم الوثائقي «ما وراء النقاب»، لـ«الشرق الأوسط»، إن سمرا وصالحة انضمتا إلى القتال في سوريا، وذلك بعد أن تلقيت رسالة منهما عبر الإنترنت، خصوصا أن سمرا تركت والديها وحدهما في فرنسا.
وأوضحت أنيس دي فيو، أن اثنتين من النساء المنقبات اللواتي اشتركن بأفلامها الوثائقية، على الأقل، اختارتا الذهاب لسوريا، وهما: سمرا وصالحة، شابتان فرنسيتا الأصل في أواخر العشرينات، والاقتران بأزواج متطرفين، والزواج منهم بنية الجهاد؛ حيث دخلت الشابتان في صراعات داخل فرنسا، بعد القانون الفرنسي القاضي بحظر النقاب؛ الأمر الذي زاد كراهيتهما للمجتمع، ودب التطرف بداخلهما خلال هذه الفترة، وأصبحت نظرتهما نحو الدول التي تشهد اضطرابا في منطقة الشرق الأوسط، وضمنها سوريا.
وأضافت: «إن النساء اللاتي كن يشاركن معها في الفيلمين الوثائقيين، مهووسات بالزواج، ولأنهن لم يجدن فارس أحلامهن، لا سيما أن موقع التواصل الاجتماعي الذي يتواجد فيه المقاتلون، والمرشدون بصورة غير مشروعة، ومخالف للنظام، في رسم الطريق إلى سوريا».
وقالت دي فيو، إن «الفرنسية سمرا، أشهرت إسلامها قبل 10 سنوات، وكان عمرها حينها 17 سنة، ولكنها لم ترتدِ الحجاب أو النقاب، وبعد ذلك قررت ارتداء الحجاب؛ حيث تعرضت إلى مضايقات من الشرطة، ودفعت غرامات عند إيقافها؛ الأمر الذي أدى إلى استبدالها الكمامات الصحية المضادة للغبار أو التي تستخدم في غرفة العمليات، وسيلة لإخفاء معالم وجهها، بدلا من النقاب».
وأضافت: «انعزلت سمرا عن المجتمع، وأصبح الإنترنت هو العالم الوحيد الذي يساعدها سواء نحو الخير أو الشر؛ حيث قرارها نحو السفر إلى سوريا، نابع من خلال التواصل مع نساء مجهولات، رسم لها الطريق، ويعتقد أنها وصلت إلى سوريا عبر تركيا، وتركت والديها في فرنسا وحيدين؛ حيث أعلنت عن زواجها عبر حسابها الشخصي، في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)».
وأشارت مخرجة الفيلم الوثائقي التي وصلتها رسالة من إحدى الشابتين عبر «الفيسبوك»، عندما وصلتا إلى سوريا، أن الفرنسية الثانية صالحة، اعتنقت الإسلام، وارتدت النقاب، بعد قانون الحظر، كنوع من التحدي؛ حيث ظهرت صالحة خلال الفيلم الوثائقي، واسمه «ما وراء النقاب»، تردد عبارة، عندما كان ساركوزي رئيسا لفرنسا: «شكرا ساركوزي.. قانونك قد أهداني إلى الصواب»، وزاد الحماس في الشابة الفرنسية قبل خروجها إلى مناطق القتال في سوريا؛ بحيث كلما تعرضت لمضايقات في الشوارع، زاد تطرفها أكثر.
وكان لويس كابريولي، الرئيس السابق للأمن الفرنسي، قال خلال الفترة الماضية، إنه في معظم الحالات يبدو أن النساء والفتيات، قد غادرن منازلهن للزواج من المسلحين؛ بحيث يجري تجنيدهن وفق فكرة ضرورة وجود أطفال للجهاديين لمواصلة انتشار التطرف، بينما أشارت تقارير إعلامية إلى أن فرنسا سجلت العدد الأكبر من المجندات؛ «إذ يبلغ عدد النساء الفرنسيات نحو 25 في المائة من مجموع النساء الغربيات اللاتي انضممن إلى المتطرفين».
ولفتت دي فيو إلى أن زيادة تطرف صالحة أدى إلى سحب ابنتها من المدرسة لعدم إيمانها بالمنهج الفرنسي، وأخذته معها لسوريا، وبرز دور الفرنسية صالحة في الفيلم الوثائقي، في مجادلة سائقي الأجرة في فرنسا، حينما كانوا يرفضون إيصالها أو استخدام الباص، وعلقت خلال الفيلم: «هناك قانون بفرنسا يحظر ارتداء البنطلون (الجينز) للنساء في القرن التاسع عشر، فإن خلعت كل النساء داخل الباص أو سيارة الأجرة البنطلون، حينها سأخلع نقابي».
وأكدت المخرجة الوثائقية، وهي متخصصة في علم الاجتماع، أن «بعض النساء اللاتي شاركن معها في أعمالها، وهن يرتدين النقاب، أبلغنها أن أحلامهن تتمثل في إيجاد عريس الأحلام بشروط، وهي أن يكون مسلما مبتعدا عن المعاصي»، مشيرة إلى أن «النقاب هو رمز لمدى تدينهن، وقد يستقطب الرجال المبتغين»، وأضافت: «لدى تلك النساء معايير عالية جدا لمن يصلح كزوج لهن، ولذلك من الشائع أن يتزوجن ثم ينفصلن عن أزواجهن، في مدة لا تتجاوز الـ6 أشهر، في شعورهن بأن أزواجهن غير ملتزمين بالدين الإسلامي، وأن البعض يلجأن إلى الزواج عن طريق علاقات تبدأ على مواقع التواصل الاجتماعي».
ويدفع الزواج مئات الفتيات الغربيات للالتحاق بالتنظيمات المقاتلة في سوريا، الذي يعد أحد أساليب التجنيد لدى التنظيم، فضلا عن أن مواقع التواصل الاجتماعي هي أقوى الطرق إلى الوصول إلى تلك التنظيمات؛ حيث ترك بعض الغربيات الصغيرات أوطانهن من أجل الانضمام إلى الكتائب الجهادية في سوريا والعراق.
وأكدت أن «معتنقي الإسلام الجدد، ليس عندهم أي علم بتعاليمه الحقيقية، بل يستمدون إلهامهم من أشخاص على حسب ميولهم، فالبعض منهم، ممن يسلكون طريق الخطأ، يرون قيادات مثل أبو بكر البغدادي، خليفة (داعش)، مثالا لهم، وبهذا تتحقق نبوءة الغرب، لأن (وحوش التطرف) قد ولدوا نتيجة تجريم المجتمع لهم».
وقالت إنيس إنه «بحكم تخصصي في علم الاجتماع، أثبتت لي التحليلات النفسية أن تلك النساء اللواتي لم يعشن حياة سعيدة، وبالتالي اخترن النقاب والعباءة السوداء، لتكونا فرصة لخلق هوية جديدة، يتخفين من ورائها»، وأضافت: «كلما أبعدهن المجتمع واضطهدهن، ازداد تطرف تلك النساء اللواتي لم يعدن يشعرن أنهن مواطنات فرنسيات؛ حيث تتعرض النساء لمضايقات في الشارع والأماكن العامة يوميا، يتحملها البعض، والبعض الآخر احتمى بين جدران منازله ولم يعد ينخرط بالمجتمع».
وكانت إنيس التي تحاورت مع الشابتين الفرنسيتين الهاربتين إلى مناطق القتال، بدأت مشوار صناعة الأفلام الوثائقية، في منطقة جنوب شرقي آسيا، في 2005، من أجل اكتشاف طبيعة الإسلام في تلك البلاد، ومنها فيتنام وكامبوديا، وقررت بعد 4 سنوات، دراسة مجتمعها، والعودة إلى فرنسا مرة أخرى؛ حيث عزمت في عهد الرئيس الفرنسي ساركوزي، وحكومته اليمينية حينما فرض قانون حظر النقاب، على محاولة فهم دوافعهما لارتدائه، وقالت: «النقاب الذي كان يستخدمه النساء، كان اختيارهن الشخصي، وعرفت ذلك من خلال معاشرتي لهن، وعرفت عن استقلال شخصيتهن وقوتها، لا سيما أنهن نساء مستقلات وشخصياتهن قوية»، وتضيف دي فيو: «حاول البرلمان الضغط بمقترح قانون الحظر على خلفية قمعه لحقوق وحرية المرأة، ولكن بعدما ثبت لهم عكس ذلك، أصبحوا يختبئون وراء فكر أن النقاب يهدد التناغم الاجتماعي ويعرقل عمل الشرطة والأمن».
وأضافت: «تعرضت لمهاجمات كلما شاركت بمقابلات وبرامج حوارية، وجرت محاربتي حينما تحدثت عن قانون حظر النقاب»، ولم تعرض أي من القنوات الفرنسية أفلامها الوثائقية كاملة؛ مما يؤثر .على جوهر الأفلام ورسالتها
المصدر: الشرق الأوسط – رنيم حنوش