كانت الموطن الأول لاتباع الديانة الايزيدية وملاذهم الأخير، لكنها اليوم أرض خاوية تتناثر على طرقاتها جثث القتلى وتنسل بين دروبها العتيقة عربات الخلافة وهي تحمل مئات من أبنائها المحكومين بالإعدام سلفاً إلى مقابرهم الجماعية، فيما تظهر من بعيد مواكب النساء السبايا وهي تودع المدينة في طريقها إلى معاقل «الأمراء المجاهدين».
قبل بزوغ فجر يوم الأحد الثالث من آب (أغسطس)، كان مشهد سيل السيارات المتجهة إلى الجبل الجاثم على حدود الصحراء يثير الرعب. وقف راعي الغنم وليد علو الذي تعود أن يخرج بأغنامه إلى أطراف الجبل في ساعة مبكرة كل صباح، مشدوهاً وهو يرى «نهراً من الأضواء تخترق عتمة الليل».
كانت تلك أضواء السيارات التي تحمل عشرات الآلاف من المذعورين وهي تتسابق باتجاه الجبل الذي مثل نقطة الخلاص من موت أكيد.
مع خيوط الشمس الأولى وصلت إلى مداخل الجبل مجاميع العوائل المنهكة من المشي والتي لم تجد من ينقلها بالسيارات.
كانت العيون المتوجسة تنتقل سريعاً بين المدى المنظور للجبل الصخري الجاثم على باب الصحراء وبين الطريق الممتد إلى المدينة «المنكوبة» وهي تدقق في كل قادم جديد خوفاً من أن يكون «جيش داعش الجرار» بعرباته السريعة التي تهاجم كالجراد الجائع مزارع القمح.
بعد ساعات تزاحمت على الدروب الجبلية آلاف العوائل التي خارت قوى العجائز والأطفال فيها، فتجمعت قرب الأخاديد الجبلية التي تؤمن شيئاً من الظلال تخفف حر الشمس الحارقة، فيما كانت تسمع من بعيد أصوات الطلقات النارية.
عشرات الآلاف تناثروا في كل بقعة متاحة وهم ينتظرون أن يتبين المشهد، بين وصول قوات البيشمركة الكردية لإنقاذهم، أو انقضاض مسلحي «داعش» عليهم. لكن الأخير بدا الأقرب مع تصاعد دوي الإطلاقات القادمة من ضواحي المدينة، فيما بدأت قصص القتل الجماعي والاعتداء على الفتيات تنتقل سريعاً عبر أجهزة الموبايل التي لم تتوقف عن نقل الأخبار الصادمة.
الجبل… الملاذ الوحيد
مع اختفاء أثر البيشمركة وانسحابهم كلياً باتجاه الأراضي السورية، عرف خيري حسو، وهو مقاتل ايزيدي في الأربعينات من عمره، أن طائفته تواجه مذبحة جديدة ستضاف إلى الـ 72 مذبحة التي وثقها الايزيديون في موروثهم الثقافي وأغانيهم الملحمية.
لحظتها قرر حسو الذي شهد الهجرة المليونية للسكان الكرد أمام جيش رئيس النظام السابق صدام حسين عام 1991، إبعاد عائلته إلى عمق الجبل والاستعداد معهم لمعركة مع الموت. قال: «انهم يريدون إبادتنا، وهذا الجبل القاسي ملاذنا الأخير كما كان في كل المذابح السابقة».
القرار ذاته اتخذه آلاف آخرون، فمشاهد التركمان الشيعة الهاربين من القتل في بلدة تلعفر المجاورة قبل نحو شهرين، كانت لا تزال حاضرة بقوة في عيون أهالي سنجار، من ايزيديين ومسلمين ومسيحيين وكرد وتركمان. وهو ما دفعهم من دون تفكير للنزوح بعيداً من بطش عدو لا يرحم، تاركين خلفهم كل شيء، بما فيه ذكريات التاريخ الطويل للتعايش المشترك.
ساعات الانهيار
طوال الأسبوع الذي سبق الهجوم على المنطقة لم تكن تحركات مقاتلي الدولة الإسلامية طبيعية، فالحشود تواصلت مع نهاية شهر رمضان الماضي، واستمرت خلال عيد الفطر، الكل في مجمعات جنوب سنجار كان يتوقع هجوماً واسعاً، بيد أن كل تنبيهات الأهالي ومناشدات تسليحهم لم تلق استجابة لدى قادة قوات البيشمركة.
ما حصل كان صادماً، بحسب داود قلو الذي شهد أحداث الساعات الأخيرة قبل سقوط سنجار بيد مقاتلي الدولة الإسلامية «بعد الثانية من منتصف الليل اشتد القصف بالهاونات على مجمعات سيبا شي خدر، وتل عزير، وكرزرك، وفي الوقت ذاته انسحب البيشمركة تاركين سكان المنطقة وحدهم يقاومون بأسلحتهم الخفيفة وعتادهم القليل، والذي نفد بعد ثلاث ساعات فانهار معه كل شيء».
مع انهيار المقاومة في تلك المناطق، اقتحم مقاتلو «داعش» بنحو 40 سيارة تلك المجمعات، وقتلوا كل من صادفوهم في طريقهم من رجال ونساء وحتى أطفال. ومع وصول أخبار الإبادة تلك إلى سنجار انهارت الأوضاع هناك حتى قبل وصول «داعش» إليها.
لم يتردد قلو في اتهام المسؤولين الأمنيين بخيانة واجبهم: «لقد وثقنا بهم لكنهم خذلونا، لم يسلموا الأسلحة والذخائر لنا لنقاتل بها، ولم يقاتلوا فقد كانوا أول الفارين بعرباتهم العسكرية عبر سورية… لقد باعونا للدولة الإسلامية».
أسقط الرعب الذي صنعته المذابح و»الانسحاب المريب» للبيشمركة من مواقعها في المدينة ومقارة الأحزاب الكردية كل إمكانية للمقاومة في سنجار، واكتظ الطريق إلى الجبل بالعوائل فيما هرب آخرون باتجاه مدينتي دهوك وزاخو الكرديتين والحدود السورية، بينما عجزت مئات العوائل عن النزوح لعدم امتلاكها سيارات أو لوجود مرضى وعجائز لا يقوون على المشي.
هؤلاء كانوا أول ضحايا «داعش» إذ تم خلال ساعات تصفية عشرات الشباب وأخذ مئات النساء سبايا إلى معتقلات الدولة الإسلامية في بعاج وتلعفر والموصل.
خيانات وسلب ونهب
«قلة من الايزيدية نجوا من مذبحة مقاتلي داعش ذلك الصباح» يقول أحمد علي، وهو كردي مسلم ترك سنجار حين لمح جاره يدل مجموعة من مقاتلي الدولة الإسلامية على بيوت الايزيدية والشيعة في منطقتهم المختلطة، فيما كان آخرون يسرقون ممتلكاتهم.
توجه علي من فوره إلى الموصل عبر طرق جانبية أوصلته مع عائلته بعد يومين إلى دهوك ومعه نورا ابنة جاره الايزيدي التي كانت الناجية الوحيدة من المذبحة التي طاولت عائلتها بعدما تأخرت في مغادرة سنجار.
نورا ذات 15 سنة، كانت مختبئة في كومة حطب حين اقتحم مقاتلون كانوا يتحدثون بلهجة غير عراقية، منزل عائلتها بعد الساعة الواحدة ظهراً وقتلوا شقيقها ووالدها العجوز أثناء مقاومتهم محاولة أخذ شقيقتها ووالدتها.
قالت وهي تخفي وجهها بأطراف منديل كان يغطي رأسها: «لم يعد لي أحد، لا أعرف شيئاً عن شقيقتي ووالدتي، ولا عن أعمامي، ربما قتلوا أيضاً، لم يعد لي أحد في هذا العالم؟».
قاسم عيدو، وهو أحد الايزيديين القلائل الناجين من الموت، تحدث عن الساعات الأولى لسيطرة الدولة الإسلامية على سنجار: «طلبوا منا عبر مكبرات الصوت عدم مغادرة بيوتنا، مؤكدين أننا في أمان، لم نكن نصدقهم لكن لم يكن هناك سبيل للهروب، ثم بدأوا باقتحام البيوت… قتلوا كل شاب ايزيدي صادفوه، وعتقوا بعض الرجال، وتم خطف معظم النساء واقتيادهن إلى مقار تمركز التنظيم».
قتل وانتحار
خلال ساعات تناثرت جثث عشرات الرجال ممن أعدموا بشكل كيفي أو قتلوا وهم يدافعون عن بناتهم اللواتي أخذن سبايا، فيما أبقى التنظيم على العديد من العجائز ولم يتعرض لهن. لكن جارة عيدو، العجوز ريحان، لم تحتمل ما جرى لعائلتها «صعدت إلى الطابق العلوي ورمت بنفسها».
«حتى من حاول الاختباء أو الهروب عبر الطرق الجانبية لم يتمكن من النجاة بسبب الخونة من أهل المدينة الذين كانوا أعضاء في التنظيم»، يقول حسن شيخو: «إنها مصيبة كبرى ستشعل ثارات لن تخمد لسنوات من بعد رحيل داعش».
شيخو الذي أكد مغادرة المسلمين الشيعة والكثير من الكرد والعوائل المسيحية والتركمانية إلى جانب الايزيدية للمدينة، اتهم البعض بما اسماه «خيانة عهود الدم» التي بينهم، «شاركوا في الهجوم وأرشدوا المسلحين إلى بيوتنا ومحلاتنا طمعاً بالغنائم، أنا أعرف أحدهم، طالما كان يزورني في منزلي ويأكل من طعامي».
صدمة السقوط
لم يحدث السقوط وما تبعه من انهيار بالصدفة، كما يرى عيسى شمو: «لقد هاجموا بأعداد كبيرة من المقاتلين في منطقة رخوة عسكرياً واخترقوها، في الوقت الذي أطلقوا الإشاعات عبر العشرات من مؤيديهم لخلق الفوضى والرعب، ونجحوا في صنع شعور باستحالة مقاومتهم».
بينما كان هناك في تلعفر وتلكيف والحمدانية وبرطلة وهي مدن مسيحية سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية لاحقاً، طريق للنجاة، لم يكن ذلك متاحاً في سنجار، ولم تكن هناك خيارات أمام الايزيديين كالتي وضعت أمام المسيحيين، فقد تمت محاصرة الجميع في الجبل وقطع مقاتلو الدولة كل الدروب المؤدية منه إلى العالم.
كان أمامهم سبيلان للنجاة وسط كم الرعب الذي أعد لهم، إما الموت في الجبل جوعاً وعطشاً أو الخروج ليصبحوا صيداً سهلاً لمقاتلي التنظيم الذين يجيدون القتال في المناطق المفتوحة حيث يمكنهم الهجوم والانسحاب.
صناعة الرعب
بعد يومين من سقوط سنجار، ترك مقاتلو الدولة الإسلامية فتاة في العشرينات من عمرها على مقربة من المدخل الشمالي للجبل، كان صوتها مسموعاً في كل اتجاه على رغم الانهيار الذي بدت عليه، كانت تلح وهي تبكي على بعض الرجال لقتلها «لقد اعتدوا علي، فعلها أشخاص عدة ثم تركوني هنا… أرجوكم اقتلوني».
«كان واضحاً أنهم يريدون بث الرعب في الجبل كله، وقد نجحوا في ذلك» يقول شمو.
على بعد مئة متر من هناك توزع عدد قليل من الرجال بملابس بيضاء وعلى رؤوسهم أغطية حمر وهم يحملون أسلحة خفيفة، في مهمة صعبة لمنع اقتراب مقاتلي «داعش» من الطريق المؤدي للجبل.
قال أحدهم: «لقد فعلوها مع فتيات أخريات، اعتدوا عليهن ثم ألقوهن في مدخل الجبل».
لم تكن حوادث فردية، فقدت انتحرت فتاة أخرى في مكان قريب، كان تم الاعتداء عليها وتركها تهرب، بحسب كمال شنكالي، الذي شهد عملية الانتحار، حين كان نازحون يحاولون منعها.
توضح الصور التي نشرها التنظيم نفسه في صفحات تابعة له، بعد ثلاثة أيام من اقتحام سنجار، عمليات إعدام جماعية لشبان مكتوفي الأيدي يتم إطلاق النار عليهم من الخلف بأسلحة خفيفة. بعض الصور التي حملت عنوان «فتوحات نينوى» أظهرت بعض شباب المنطقة ومقاتلين من التنظيم ذوي لحى طويلة وشعر كث، ويظهر بعضهم بملابس أفغانية، فيما تكشف وجوه آخرين أنهم من بلدان شرق آسيوية.
سوق السبايا
صناعة الرعب لم تتوقف عند ذلك، فقد كشف نشطاء مدنيون ومسؤولون محليون وبرلمانيون، عن اختطاف أكثر من 700 امرأة ايزيدية في الأسبوع الأول لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على سنجار، واستحداث سوق للجواري في الموصل، حدد سعر المرأة فيه بـ 150 إلى 500 دولار.
بحسب مسؤولين فإن السبايا الايزيديات جرى بيعهن للمسلحين الأجانب. وتم تحديد أوقات البيع في الصباح والمساء بشكل يمنح الفرصة للمقاتلين «للتمتع بالنساء خلال إجازاتهم».
تلك المعلومات أكدها المتحدث باسم الهلال الأحمر العراقي محمد الخزاعي، قائلاً إن التنظيم الذي «يحتجز عشرات النساء الايزيديات والتركمانيات في مطار تلعفر بعد تصفية الرجال والأطفال، عرض نساءً للبيع في أحد أسواق الموصل».
حاول معد التحقيق طوال عشرة أيام التحقق من تلك المعلومات، لكن دخول المناطق التي يتمركز فيها التنظيم في الجانب الأيمن من مدينة الموصل حيث يتسوق المسلحون ويقومون بصفقاتهم التجارية بدت مهمة مستحيلة مع تكثيف التنظيم لدورياته.
في 13 آب اتصل شاهد عيان قروي موثوق به يسكن منطقة الساعة وسط الموصل بمعد التحقيق، وأكد أن مسلحين أنزلوا نساء من باص صغير ثم عرضوهن لمدة نصف ساعة وهنَ يرتدين ملابس سوداء، بينما انتشر في المكان نحو ثلاثين مسلحاً معظمهم كانوا من الأجانب والعرب، وبعدها جرى توزيع النساء على أكثر من عشر سيارات.
لم يؤكد الشاهد أن ما جرى كان صفقات شراء وبيع لنساء. بيد أنه كان متيقناً من أن النسوة وزعن على مجموعة رجال بعد عرضهن عليهم.
مسلمة أو جارية
نفى أبو عبد الملك، وهو مساعد أمير في الدولة الإسلامية، حصول عمليات بيع وشراء لنساء، وأنكر وجود أي سوق للسبايا في الموصل، معتبراً أن كل ما يروج هو محاولات لتشويه صورة الدولة الإسلامية.
على رغم ذلك فإن أبو عبد الملك الذي تحدث مع معد التحقيق عبر الهاتف من الموصل عبر وسطاء، أكد أن من «حق مجاهدي الدولة الاحتفاظ بنساء الكافرين سبايا طالما رفضن دخول الإسلام، كما أن من حقهم الحصول على جزء من غنائم غزواتهم».
مساعد الأمير الذي نفى علمه بوجود نساء ايزيديات أخذن سبايا، أقر بوجود نحو 250 امرأة في الموصل «كن ايزيديات قبل أن يدخلن الإسلام ويصبحن نساء حرات… خيرناهن بين البقاء في بيوت المجاهدين بكل ما في ذلك من التزامات شرعية كالمعاشرة والخدمة المنزلية، أو إعلان إسلامهن ليصبحن حرات».
أبو عبد الملك أكد أن جميع الايزيديات «اخترن دخول الإسلام، وأصبحن حرات يمكنهن الزواج أو رفض من يتقدم لهن».
وعن مصير من أسلمن، قال: «جرى إسكانهن في بيوت آمنة وتحت حماية الدولة وفق طلبهن لأنهن غير قادرات على العودة إلى عوائلهن خشية قتلهن بعد دخولهن الإسلام، ولأن أزواجهن أصبحوا حراماً عليهن».
في الرابع من آب كشفت منظمات ايزيدية ولجنة حقوق الإنسان في البرلمان الكردستاني عن خطف 500 امرأة ايزيدية من سنجار. الرقم ذاته أكدته بعد يوم واحد النائبة في البرلمان العراقي فيان دخيل التي وقفت تحت قبة البرلمان تناشد العالم إنقاذ 30 ألف عائلة محاصرة في جبل سنجار من الموت عطشاً وجوعاً.
في العاشر من آب تلقت عائلة ايزيدية مكالمة من إحدى بناتها المختطفات، أكدت خلالها وجود أكثر من 200 امرأة محتجزة معها في موقع في قضاء البعاج جنوب سنجار، مبينة أن المعتقلات يعاملن كسبايا حيث يتم اقتياد الجميلات منهن «لخدمة الأمراء»، وطالبت الفتاة «بقصف المكان بالطائرات لكي تنتهي معاناتهن».
في الـ20 من آب قال وزير حقوق الإنسان العراقية محمد شياع السوداني، أن «داعش» تحتجز أكثر من 600 فتاة ايزيدية في بناية مدرسة الآثار في قضاء تلعفر، ونحو 75 امرأة شيعية في قضاء سنجار. لكن الوزارة لم تورد أرقاماً في شأن المحتجزين في سجن بادوش وفي مراكز الاعتقال في الموصل وقضاء البعاج وهي مراكز يحتفظ فيها مسلحو داعش بالمئات من أسراهم.
في اليوم ذاته رجح قائممقام سنجار ميسر حاجي صالح، أن يكون عدد المختطفات أكبر بكثير: «هناك أكثر من ألف امرأة إيزيدية نقلن إلى خارج سنجار، وهناك قرى كاملة رهينة بيد داعش ولا يعرف مصير العوائل فيها».
مسؤولون آخرون في المدينة قالوا إن تحديد الأرقام وتوثيقها سيحتاج إلى وقت طويل فهناك أكثر من 200 ألف نازح ايزيدي تشتتت عوائلهم ولا يمكن إحصاء المفقودين منها قبل مرور أسابيع، مؤكدين أن هناك مئات المحتجزات في مواقع مختلفة بينها مراكز اعتقال في سنجار ومطار تلعفر وغابات الموصل ومركز رياضي قرب فندق نينوى بالاس، فيما قدر علي إيزيدي الناشط المدني الذي يتابع إحصاء أعداد المعتقلات، الرقم بأكثر من ألفي إيزيدية معتقلة، قسم منهن في سجن بادوش في الموصل، وأخريات في مدينة تلعفر.
الدخول في الإسلام
القسوة التي تعامل بها مقاتلو الدولة الإسلامية مع أهالي سنجار، لم تكن مسبوقة في أية منطقة أخرى فرضوا سيطرتهم عليها، فكل الايزيديين من الرجال والأطفال كانوا محكومين بالموت وكذلك المسلمون الشيعة وحتى المسلمون السنة من الكرد المقاتلين في صفوف البيشمركة.
كما لم تقتصر أوامر القتل على الايزيديين الذي رفضوا إعلان إسلامهم، بل شملت حتى الذين أعلنوا إسلامهم، بحسب العديد من الناجين.
مواطن خمسيني من سنجار أكد، من دون أن يكشف عن اسمه، أنه اضطر مع عائلته لإعلان إسلامه في جامع في سنجار بعد ساعات من غزو المسلحين للمدينة، لكن مقاتلي «داعش» جاؤوا بعد يومين وأخذوا اثنين من شقيقاته، قالوا له بأنهما أصبحتا جاريتين، وبعد ساعات أعادوهما مجدداً.
قال الرجل بصوت مبحوح: «لم استطع الاعتراض خوفاً من قتلنا جميعاً، لا نعرف كيف ننجو، حتى حين نصبح مسلمين، يأتي أمراء ويقولون إن قتلنا حلال وإسلامنا باطل لأنه حصل من دون قناعة».
إذا كان القتل والسبي مصير الايزيديين الذين دخلوا الإسلام، فكان حتمياً قتل الممتنعين. ففي ظهيرة 15 آب طوق مسلحو التنظيم قرية كوجو التي تبعد 18 كلم جنوب سنجار ويبلغ عدد سكانها نحو 1200 شخص، تم تجميع الأهالي في مدرسة القرية وجرى فصل النساء عن الرجال، ثم إعدام 80 رجلاً بالرصاص، هذه ما أكدته معظم الروايات الرسمية.
لكن واحداً من أبناء القرية ومن أعيانها المعروفين قال لمعد التحقيق، إن أكثر من 300 شخص قتلوا في ذلك اليوم هم كل الرجال بمن فيهم كبار السن، فيما تم اعتقال الأطفال والنساء واقتيادهم بالشاحنات إلى مناطق مجهولة.
الرجل الذي فقد 18 فرداً من عائلته هم أبناؤه وأحفاده، قال إن مسلحي التنظيم هددوا في اليوم الأول لسيطرتهم على المنطقة بقتل جميع أهالي القرية إذا لم يسلموا أسلحتهم، والتهديد ذاته وجه لقرية الحاتمية القريبة، مع التعهد بترك القرية بسلام إذا سلمت سلاحها. جرى لاحقاً تسليم الأسلحة، لكن المسلحين عادوا بعد أسبوع وخيروا الأهالي بين إعلان إسلامهم أو القتل.
رقم الضحايا ذاته أكده كريم سليمان المتحدث باسم المجلس الروحاني الايزيدي، مقدراً عدد الايزيديين الذين قتلوا منذ بداية الأزمة بأكثر من 2500 شخص.
لكن قائممقام سنجار قال إن 413 شخصاً قتلوا في كوجو، وفق شهادات شيوخ القرية، هم كل من تجاوز عمره 13 سنة، وجرى دفنهم في مقابر جماعية، إلى جانب سبي 700 امرأة وطفل.
* ساهم في إنجاز التحقيق الصحافي سلام خالد، وأنجز هذا التحقيق بدعم من شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية (نيريج).
المصدر:أربيل – سامان نوح – الحياة