كاتب سعودي
بعد طول تلكؤ أعلن البيت الأبيض تغيرا مهما تجاه الأزمة السورية، فهو أعلن عن تقديم «مساعدات عسكرية» وعن «تسليح المعارضة» وأعلن عن قناعته بأن «النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيماوية» وأن أميركا «ستدافع عن مصالحها في المنطقة» و«ستتفاهم مع حلفائها في دول الثماني».
كل واحدة من هذه العبارات المنتقاة بدقة تمثل معنى أو معاني جديرة بالملاحظة، وقد انتقل النقاش في أروقة الإدارة الأميركية من التسليح إلى فرض مناطق حظر جوي بل إلى ضرب المطارات التي يستخدمها نظام الأسد وضرب دفاعاته الجوية كما بدا متحمسا لذلك جون كيري وزير الخارجية، وهو اقتراح وإن رفضه رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي إلا أن دلالته مهمة في تجاوز مرحلة طالت من التردد والحيرة.
أما الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة والتفاهم مع حلفاء الولايات المتحدة في دول الثماني وفي المنطقة ففيه إشارة جديرة بالملاحظة لتغيير اللهجة الأميركية تجاه الموقف الروسي المتعنت.
وعلى الرغم من التحفظ الذي أبداه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تجاه تسليح المعارضة السورية والجيش السوري الحر فإن «مصادر دبلوماسية فرنسية قالت إن هناك (قرارا سياسيا) بالتجاوب مع الطلبات التي قدمها رئيس هيئة أركان الجيش الحر اللواء سليم إدريس الأسبوع الماضي للحصول على الأسلحة النوعية التي تحتاجها المعارضة» («الشرق الأوسط»، الجمعة).
وقد بدأ هذا التوجه الأميركي الفرنسي البريطاني تجاه التسليح يقع موقع التنفيذ فقد صرح اللواء إدريس بأن قوات المعارضة السورية قد حصلت بالفعل على «أسلحة نوعية» من شأنها حسب تعبيره أن «تغير الوضع على الأرض».
إذن نحن أمام تغير مهم تجاه الأوضاع في الأزمة السورية، والسؤال هو لماذا تغير الموقف الأميركي؟ وهل أخطأت روسيا في قراءة السياسة الأميركية؟ وهل تمادت شيئا فشيئا قبل أن تعدل أميركا موقفها؟ وما المواقف أو التطورات في المشهد السوري التي دعت أميركا لتغيير مواقفها؟
هذه أسئلة جديرة بالإجابة والتحليل. وتغير الموقف الأميركي له مسببات متعددة منها التمادي الروسي والتغلغل الإيراني الصريح، حزب الله وميليشيات عراقية، ومقاتلين حوثيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد بدأت أميركا تحس بشك قوي يساور حلفاءها في المنطقة تجاه سياساتها ونجاعة التحالف الطويل الأمد معها، وبدأت تلك الدول تعلن مواقفها وسياستها وتتحرك وفقا لمصالحها وتجابه التغلغل الإيراني على كافة المستويات، ومن يتابع تصريحات وتحركات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يمكنه أن يستنتج بسهولة أن السعودية ودول الخليج كانت مصممة دائما ومنذ البداية على مساندة الشعب السوري في كفاحه المرير ضد المحور الروسي الإيراني الذي تفنن في قتله، وبناء على هذه المواقف المبدئية فإن أميركا ليست مستعدة فيما يبدو لخسارة كل أولئك الحلفاء دفعة واحدة.
ستتغير قواعد اللعبة في الأزمة السورية من دون شك، وهذا التغيير سيكون رهنا لحجم التغير الذي ستفرضه النسب الكمية والنوعية وطبيعة التطبيق الواقعي لعبارات «المساعدة العسكرية» و«التسليح» التي وصلت إليها الإدارة الأميركية الحالية.
وبعد إعلان الموقف الأميركي اتجهت حكومة الإخوان في مصر إلى تغيير يبدو حادا في موقفها السابق الذي كان يساوم تجاه أزمة الشعب السوري فيضع قدما مع روسيا ويؤكد على تطابق المواقف تجاه سوريا ويفعل الأمر ذاته مع إيران، وهو موقف كما دفعت إليه الرغبة العارمة لدى الإخوان المسلمين في إرضاء الولايات المتحدة والدول الغربية فقد جاء – كذلك – استباقا لاحتجاجات واسعة تحشد لها المعارضة في 30 يونيو (حزيران) الجاري ضد النظام، وهي لم تغير موقفها بطريقة سياسية منهجية ومتئدة وإنما انتقلت من الانحياز مع النظام وإيران إلى المزايدة على الدول المساندة للشعب السوري منذ البداية.
إيران من جهتها وبنمط سياسي يمكن استقراؤه من تاريخ الجمهورية الإسلامية أي التصعيد برئيس متشدد لتحصيل أعلى المكاسب ثم المهادنة برئيس معتدل لتحصيل مكاسب أخرى وتعديل الأخطاء، وبناء على هذا النمط فقد اتجهت بقيادة المرشد الأعلى إلى اختيار – لا انتخاب – رئيس جديد يوصف بـ«الإصلاحي» و«المعتدل» هو السيد حسن روحاني، ويبدو أن مهمته الصعبة ستكون في تنظيف وتجميل سياسات إيران بعد ثماني سنوات عجاف قادها الرئيس السابق أحمدي نجاد برعاية كاملة من علي خامنئي ولم تؤد إلا إلى فشل ذريع تمثل في استعداء العالم وجيران إيران العرب ضدها.
يفترض بمؤتمر الدوحة لأصدقاء الشعب السوري (الذي يعقد السبت، قبل يوم من نشر هذا المقال) أن يضع النقاط على الحروف في بداية المرحلة الجديدة في الأزمة السورية وأن يستمع لما تحتاجه بلدان مثل تركيا والأردن في مواقفها المتقدمة والمهمة تجاه الأوضاع السورية وتبعاتها الحالية والمستقبلية عليها، وعلى الدول الصديقة للشعب السوري في المنطقة أن تقدم ما تستطيع لطمأنة المخاوف الأميركية المزمنة تجاه شبح حرب طويلة كفيتنام أو نتائج عكسية كما جرى في أفغانستان، أي خلق آليات محكمة لعدم وصول أي أسلحة لأيدي الإرهابيين الذين هم أعداء العالم بأسره.
تنبأ زبغينيو بريجنسكي في رؤيته لمستقبل الهيمنة الأميركية بأن «السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في قيام تحالف أكبر بين الصين وروسيا، وربما إيران أيضا، وهو تحالف مضاد للهيمنة الأميركية لا توحده الآيديولوجيا بل التذمر المشترك» ومن سوء حظ السوريين أن يكون تجلي هذا التحالف على أرضهم وضد حياتهم وعلى حساب دمائهم ومستقبلهم بغض النظر عن الهيمنة الأميركية والصراعات الدولية.
إن تغير المواقف الدولية والسياسات الغربية تجاه الأوضاع في الداخل السوري مع الدعم اللامحدود من دول الاعتدال العربي وكذلك التوازن الجديد الذي سيحدث في موازين القوى على الأرض بين الجيش السوري الحر وبين جيش النظام وميليشيات إيران يجب أن يدفع المعارضة السورية لتوحيد صفوفها والوقوف صفا واحدا لتحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها تجاه أي حل سياسي سيجري التفاوض بشأنه لاحقا ليكون تتويجا لمرحلة من الكفاح الطويل لشعب تعرض لأبشع الجرائم في هذا القرن الجديد، وأن تكون مستعدة لتبني نهج معتدل داخليا يضمن عدم تفشي التطرف والتشدد.
أخيرا، كتب هنري كيسنجر في مذكراته تعبيرا صدق فيه يقول: «إذا كان التاريخ يعلمنا شيئا، فهو عدم وجود سلام من دون توازن، ولا عدالة من دون اعتدال».
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط