قينان الغامدي
قينان الغامدي
رئيس تحرير صحيفة الشرق سابقا - رئيس التحرير المؤسس لصحيفة الوطن السعودية (سابقاً)، رئيس تحرير صحيفة البلاد (سابقاً)، عضو مؤسسة عسير للصحافة والنشر وعضو مجلس إدارتها، عضو اللجنة التأسيسية لهيئة الصحفيين السعوديين. - تدرج بعدة مراحل بصحيفة عكاظ، بداية من مراسل وحتى نائبا لرئيس التحرير. - كاتب عمود يومي بصحيفة الوطن.

(سوس) ينخر (الوحدة): خطر داخلي ينمو علنا!

آراء

سبق أن كتبت عن هذا الموضوع وطالبت مجلس الشورى بدراسته واتخاذ توصيات حيوية بشأنه، وغيري كثيرون كتبوا، لكن الاستجابة معدومة، ويبدو أن خطورة هذا الأمر لم تلامس دائرة اهتمام مؤسسات الدولة المعنية به، وإلا لكانت تحركت، واليوم أكرر نفس الموضوع، فالتكرار يذكر الأخيار، وينبه الغافلين للأخطار، ومن أخطرها على بلادنا ووحدتنا الوطنية ما نلاحظه وما أشعر به بعمق ووعي من أن العصبية القبلية والمناطقية والطائفية متفشية في مجتمعنا، بل ومتعمقة كثيرا، وتتغذى يوميا، وهذا التفشي والتغذية والتكريس فيما أعرف وأعتقد يتناقض مع فكرة الدولة أساسا، ويحول بينها وبين تكريس فكرة المواطنة، وبين هذه الأخيرة (المواطنة تحت مظلة الهوية الوطنية الجامعة)، وبين مدنية الدولة، إذ إن مؤسسات المجتمع المدني السوية تقوم كمظلات صغيرة مهنية أو تعاونية أو فكرية أو فنية وغيرها ينتمي إلى كل منها مواطنون من مختلف الأطياف والتوجهات والطوائف والقبائل، وتحت مظلة الوطن الكبرى وهويته الجامعة، وليس مثل تلك الهويات العصبية المفرقة والمتجسدة في القبيلة والطائفة والمنطقة والمدينة وحتى القرية والهجرة.

وعندما أعبر عن شعوري بتغلغل العصبية القبلية والطائفية والمناطقية، فإنني أتحدث عن وقائع ناطقة، وسوس ينخر أمامنا، متجليا في تويتر بصورة فاضحة مقلقة، وفيما تتناقله بقية وسائل التواصل الأخرى، وفيما يفعله الشعراء العاميون (نسبة إلى اللهجة العامية) من استفزازات للقبائل بقصائدهم المادحة أو القادحة أو المتفاخرة باستدعاءات بطولات قبلية كانت قبل توحيد الدولة لكنها بقيت سلاح الماضي لتكريس عصبية الحاضر، ومع أن أبناء المملكة بكل أطيافها وقبائلها تخالطوا وتساكنوا وتزاوجوا في مختلف المدن والمحافظات إلا أنك لا تعدم أن تجد تجمعات قبلية بالدرجة الأولى، ثم مناطقية، ثم طائفية، تحت مظلات التواصل بين أبناء القبيلة الواحدة أو المنطقة أو الطائفة، وهذه التجمعات – بالمناسبة – لم تظهر إلا في السنوات الأخيرة، وأرجح أنها ردات فعل من بعضها للبعض الآخر، وهي في غالبها ميدان رحب للتفاخر والتمجيد للذات واستحضار بطولات الماضي كما يحدث في كثير من التجمعات والمناسبات القبلية، أو لتمجيد التوجه والفكر والتقليل من شأن الآخر كما يحدث في كثير من تجمعات الحزبيين والطائفيين، وغيرها، وهي كلها دوائر مغلقة في فعالياتها على أبناء القبيلة أو ما شابهها من عصبيات، ولعلي أطرح سؤالا أترك تقدير إجابته لمن يقرأ أو يتأمل وهو سؤال أرمي من طرحه إلى محاولة استجلاء الظاهرة التي أحاول التنبيه لخطورتها في هذا المقال، يقول السؤال: هب أن سعوديا وجه نقدا حادا مستفزا للسعوديين رجالا أو نساء أو لهم كلهم، كيف سيكون حجم ردة الفعل عليه في هذه الحال؟ وكيف تقارن الحجم السابق مع حجم ردة الفعل لو خصص نقده لرجال أو نساء قبيلة بعينها أو منطقة بذاتها أو طائفة أو فئة محددة باسمها؟ ثم بعد مقارنة الحجمين السابقين وأيهما أكبر حجما، لاحظ هل الانفعال بالموقف يجيئ موضوعيا عقلانيا، أم من باب (ونجهل فوق جهل الجاهلينا)؟ ثم في ضوء ردة فعل المنفعلين في الحالين تستطيع أن تعرف أي الانتماءين أقوى، هل هو للوطن أم للقبيلة والطائفة أولا؟

أظن أن الأمر خطير، فعلى الرغم من اختلاف الرؤى والنظريات حول مشروع الدولة، فإن الغالبية من المنظرين يرون أن الهوية الوطنية الجامعة هي أساس فكرة الدولة، وأن مدنية الدولة لا تتناقض مع دينها ولا نظامها بل هي سبيل استقرارها ونهوضها، وأن أي انتماءات ضيقة لعصبية قبلية أو طائفية أو عنصرية -وأضيف هنا مناطقية- إنما هي نقض لفكرة مشروع الدولة، وتناقض -بل وهدم- لمدنيتها الطموحة، ولهذا لا بد من حل، ولا حل سوى قانون صارم حازم يجرم الطائفية والعنصرية سواء كانت قبلية أو لونية أو أيا كانت، ودعم هذا القانون بإجراءات نظامية تخدمه وتكرسه على المدى الطويل، وفي مقدمة هذه الإجراءات إلغاء لقب القبيلة من بطاقة الهوية الوطنية، أو أي لقب يحدد انتماء لمنطقة أو طائفة أو فئة أو ما شابه ذلك، والاكتفاء في أسماء المواطنين والمواطنين في بطاقاتهم الوطنية باللقب العائلي أو بالجد الرابع مع إضافة ال التعريف إليه، وذلك لتذويب هذه الهويات الصغرى على المدى الطويل.

إن القانون مطلوب آنيا وبصورة سريعة ليردع ما هو قائم ومتكرر ومتكرس وله ينابيع تغذية لممارسة العنصرية والطائفية حاليا، وأما الإجراء النظامي لإزالة الألقاب فهو دعم للقانون على المدى الطويل، بمعنى أن الأجيال القادمة هي من ستجني ثماره وليس نحن، وعلى كل فإن ما أوردته يتطلب بحثا وتمحيصا، لكن دون تأخير أكثر مما تأخرنا، فالقضية تمس الوحدة الوطنية التي تعد أعظم وحدة في التاريخ الحديث، ولا يصح أن نتغاضى أو نتعامى أو تخدرنا عبارات التهوين من هذا الخطر الداخلي المتنامي بسرعة ووضوح.

المصدر: مكة أون لاين