كاتبة سعودية مقيمة في دبي
لعلّكنَّ تذكرن يا سيّدات الشورى الموقرات أننا احتفلنا بكن، وفرحنا بخبر تعيين 30 سيدة في مجلس الشورى، ورفضنا أن يفسد أحد فرحتنا، أو التشكيك في مدى فعالية ودور عضوات مجلس الشورى في مؤسسة تعاني من البيروقراطية، ومحدودية الصلاحية، وقلنا إن المرأة ليست كائناً فائق القدرات، لكنها تملك حقوقاً مدنية، ومن حقها أن تكتسب تجربة العمل في مؤسسات المجتمع وأن تفيد وتستفيد، وأن عملها في مجلس الشورى فرصة قد تتفوق فيها أو تساوى بمن فيه، أو تتعلم منهم وتزداد خبرة.
كنا نريدكن أن تظهرن في الصورة كي تصبح أجمل، فمن دون مشاركتكن تكون الرؤية عوراء، والمجتمع لا يحسن النظر بعين واحدة، ولا يتقدم بجناح واحد، ولا يتطور بدفع رجاله فقط، فنساؤه هن الأمهات اللاتي أنجبن هؤلاء الرجال، وهن الزوجات اللاتي يتقاسمن معهم المسؤوليات، وهن البنات اللاتي يشاركن في زراعة أمل جديد ينهض به مستقبلهن، فكيف تكتمل الصورة في مجلس يدلي بمشورة رجاله فقط، في حين تغيب نساؤه المؤهلات؟ وحين وصلتن إلى المجلس، وصلتن في موكب بهيج احتفل العالم كله به، وبـ30 امرأة اخترن ومنحن الثقة، لا فضلاً بل كفاءة وتميّزاً، فمعظمكن تعلمن في الجامعات الشهيرة، وعملن في المختبرات الدقيقة وفي التطبيب والتدريس وإعداد البحوث، لهذا فإننا نعول عليكن الكثير، ونعرف أن شاغلكن الأول لن يكون المرأة فقط، بل المجتمع بأسره، شبابه ونساءه ورجاله وأطفاله، لكن كيف ينهض المجتمع، ويصبح صحيحاً واعداً بالأمل، ونساؤه في الدرك الأسفل من الإهمال والضعف وغياب الحماية، فهذه أم عبدالله الأرملة تتسوّل في الطريق لأنها لا تملك دفع إيجار منزلها، وهذه أمل طفلة في العاشرة تتزوج برجل يكبرها 50 عاماً، والقاضي يتمهل في طلاقها، حتى وهي تهدد بقتل نفسها، وهذه أم حسن مطلقة لا تحصل على النفقة وزوجها يهددها بأن يسلبها أطفالها إن فعلت، وأم سلمى يحكم لها القاضي بنفقة لابنتها لا تزيد على 300 ريال، أقل من نفقة الولد، والولد لا يحظى ألا بـ500 ريال! وهذه مؤسسة النقد تحكم باقتطاع النفقة من راتب الزوج لكن المصارف لا تجيز أن يقتطع من راتب الموظف أكثر من نصف الراتب، فإن كان يدفع قسط السيارة فذلك مقدم على قسط النفقة، وهذا قاض لا ينظر في قضية المرأة إلا بوجود ولي أمرها وكأن حقها في العدل مشروط بوجوده، ولا يعترف ببطاقتها المدنية، فكيف يصبح المجتمع سوياً ونساؤه يزوَّجن قاصرات ويتعرضن لمخاطر الولادة صغيرات، ويربين أطفالهن بلا خبرة، ويزيد على ذلك أن يُهجرن ويُتركن، وحين يطالبن بالنفقة يؤخذ منهن أطفالهن عنوة أو خطفاً؟
سيدات الشورى، صحيح أنّا سعدنا بكن، لكن من سنن الحياة أن الأفراح تنقضي ويحل بعدها وقت العمل والحساب، لهذا فإننا نأمل – ونحن نعرف أنه يحق لعضو مجلس الشورى الواحد أن يقرّ موضوعاً للنقاش وأنتن 30 امرأة – أن نسمع منكن مطالبة بقانون الأحوال الشخصية الذي يمثل المظلة الأساسية لحماية حقوق النساء، بل هو عمودها الفقري، ولا يستقيم أمر من دونه، وسيكون ذلك سهلاً، وفيكن من تخصصت في العمل النسائي الاجتماعي ولديها من التجربة ما يمكن أن يدفع بهذه المطالبة اليوم إلى طاولة الشورى.
سيدات الشورى، لا أظن أن ملاحظة مهمة مثل هذه تفوتكن، لكنه سيطيب لنا أن نذكركن بين حين وآخر.. «نحن هنا»!
المصدر: صحيفة الحياة