ــ عضو هيئة التدريس بكلية التربية ـ جامعة الإمارات ــ حاصل على الدكتوراة من جامعة جنوبي كاليفورنيا و الماجستير من جامعة جورج واشنطن ــ عميد سابق لوحدة المتطلبات في جامعة الإمارات ووكيل لكية التربية ــ من أبرز كتبه: المنهاج و أراء في التربية
التطرف الفكري سمة سلبية في كل المجتمعات، لأنه مؤشر على رفض الآخر، واعتقاد بأن الحق والحقيقة مرتبطة بفكرك أنت فقط، وليس من حق غيرك أن يكون له معتقد أو رأي يتبناه، وإذا كانت أسباب هذا التطرف الفكري معقدة ومتداخلة فإن المنطلقات الدينية للتطرف الفكري أكثر تعقيداً وأصعب فهماً، لكن التأمل العلمي لأسباب نشأة الفكر الديني المتطرف، وكيف ينتقل عبر الأجيال ربما تقودنا إلى فهم هذا اللغز، فبعد أن تم اكتشاف خلايا دينية تنظيمية في مجتمع الإمارات بدأت الأسر في القلق من أن يكون أحد أبنائها متطرفاً أو مادة سهلة الاقتناص من قبل المتطرفين، فكم من أسرة كانت ترى الحل في الدين، لأنه الحصن الحصين من انحرافات الشباب نحو المخدرات والموبقات تفاجأت بأن التدين في بعض الأوقات حول بعض الأبناء كي يكونوا قنابل موقوتة في مجتمعاتهم وسلبهم هذا التيار أو ذاك حرية الاختيار والتفكير المنطقي، وغسل أدمغتهم، فجعلهم لايرون في مجتمعاتهم المسلمة إلا مظاهر الفجور والكفر، فهل التدين أصبح يشكل خطراً على مجتمعاتنا؟
بكل تأكيد لا لأن التدين فطرة سوية لدى الإنسان، وهو سر التقدم وحضارتنا العربية والإسلامية قامت على أسس دينية سوية، فقدمت للبشرية الخير الذي مازالت تنعم بمنطلقاته، والتدين له فوائد كثيرة على المستوى الفردي، ففيه إجابات لكثير من الأسئلة المحيرة عن مصير الإنسان، وبالذات في الآخرة، فهو منهج للسعادة النفسية التي فقدتها البشرية عندما تعمقت في الحياة المادية، وتناست الجوانب الإيمانية والروحانية، لكن الفهم الخاطئ للتدين والفكر المنحرف عند بعض المتدينين والجماعات الإسلامية التي انتشرت خلاياها العلنية والسرية حجبت ذلك النور وشوهت تلك الصورة الحضارية لديننا الإسلامي. فكيف تنجح تلك الجماعات في بناء فكرِ التطرف ونفسية التشدد، سؤال لا أدعي تمام الإجابة عنه، لكنها محاولات جاءت بعد استقراء واقع بعض المتدينين وأسرار تورطهم في الجماعات الإرهابية.
تمثل العزلة فترة ذهبية لتلك الجماعات في غسل أدمغة الشباب، فإنْ رأيت أيها الأب أن ابنك يغيب ساعات طويلة وأياماً مديدة عن المنزل، فاسأل عنه، فإنْ عرفت أنه مشارك في أنشطة دينية تأمل فإن اكتشفت أن تلك التجمعات سرية المنهج فتأكد أن هذا الإنسان بدأ أول خطوات التطرف الديني، لأن هذه الخلايا تعزل هذا الإنسان مادياً عن مجتمعه كي تعيد ترتيب فكره، وفق منهجية متدرجة تبدأ بتدارس القرآن والسُنة، وتتطور بدراسة كتب فكرية تغرس قناعات سلبية عن الآخر، فتجعله ينظر إلى غيره على أنه يعيش في جاهلية القرن العشرين، وأن الإسلام الذي يمارسه غيره فيه نظر، وهم في خطر، وربما هم أقرب للكفر، وإن صلوا وصاموا، وأدوا كل أركان الإسلام.
بعد هذه العزلة الفكرية في هذه الخلايا التنظيمية تأتي مسألة الخلطة المادية والعزلة الشعورية، فتجد أن هذا الشاب منخرط في فعاليات كثيرة في المجتمع، لكن فكره مختلف تماماً، وكأن عينه عليها غشاوة من مظاهر التدين في المجتمع وفي أذنيه وقر فلا يسمع إلا ما قد قيل له في محاضنه التربوية من أن غيرك يعيش في جاهلية، وأن مظاهر التدين التي ترها هي خدعة من الأنظمة الحاكمة، وأن العلماء والخطباء هم رموز تم استقطابها من الأجهزة الأمنية تفرض عليهم كلمات تمجيدية يرددونها دون قناعة حقيقية، وللمقال بقية لفهم التطرف من الناحية النفسية.
المصدر: الاتحاد