محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"
الديمقراطية كمصطلح يعني ديموس “الشعب” وكراتوس “السلطة أو الحكم”، أي ببساطة “حكم الشعب” باللغة اللاتينية .. الأكيد أن باستطاعة العرب وبحكم اعتزازهم بلغتهم، ولهم كل الحق أن يطلقوا على الديمقراطية مصطلح “سَلَطة الشعب” والسلطة هنا بفتح السين وااللام.
وقبل إنزال اللعنات على كاتب المقال، والحكم عليه انطلاقاً من عواطفنا الجياشة والتواقة للديمقراطية، دعونا نتأمل هذه السَلَطة ونحللها أولاً.
اتفاق الأغلبية على رأي ما، لا يجعل ذلك الرأي صحيحاً، ففي فترة من فترات التاريخ، كان جميع سكان الأرض يعتقدون أن الأرض مسطحة، وهذا لم يجعلها في يوم من الأيام مسطحة.
حينما استدعوا الأستاذ الفيلسوف سقراط للمحاكمة، كانت أثينا آنذاك تحت حكم الديمقراطية، ووجدت هيئة المحكمة وبالأغلبية أخانا سقراط مذنباً بتهمة ازدراء المقدسات، وإفساد الشباب، وحكمت عليه بالإعدام، فلم تفده محاوراته التهكمية، ولا حججه القوية، ولا حتى الواسطة، إذ إنه كان معروفاً ونجماً من نجوم المجتمع.
في أمريكا العظيمة بدستورها الذي يمنح الفرد حرية التعبير والخطابة، واختيار الدين، والذي يعتبر كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات .. وبعد صياغة هذا الدستور، استمر البيض “الأغلبية” يمارسون فيها التفرقة العنصرية بشكل سافر على السود، ما دفع السود إلى النضال والمقاومة إلى أن نالوا حقوقهم.
مما لا شك فيه أن الديمقراطية جميلة في كثير من جوانبها، ولكن الأهم هنا هو ثقافة الشعوب التي تحكم، فإذا كانت هذه الشعوب إلى الآن تتناحر فيما بين بعضها، لأسباب قد مضى عليها ألف وخمسمئة سنة، أو بسبب أن جدتهم الكبرى قد طلقها جدهم بعد أن تزوج عليها، ليستمر الخلاف إلى يومنا هذا بين أحفاد الزوجتين، أو كانت ثقافتهم تتمحور حول بغض الآخر المختلف، وقد يقتل الابن فيها والديه لمجرد أنهما لا يتفقان مع كثير مما يتفوه به إمام المسجد، فإن الديمقراطية في يد هذه الشعوب ستصبح مجرد سلطة، وبها سيحكمون على سقراط بالإعدام، وسيفرضون فكرة انبساط الأرض على الجميع، ويعلنون الحروب على الآخرين.
نوعية الثقافة تعلب الدور الأساس في توجيه الأفكار، وترسيخ القناعات، ولدى تبني الأغلبية ثقافة إقصائية تتقوقع على ذاتها، وترفض الانفتاح على الآخرين، وتعتبر نفسها هي لوحدها الفئة الناجية، سواء لبياضها، أو لصحة مذهبها، أو لنقاء عرقها، أو لرفاهة اقتصادها، أو – وبكل بساطة – لامتلاكها الحقيقة المطلقة، فثقوا تماماً أن هذه الثقافة هي ذاتها تلك القشة التي قصمت ظهر البعير.
لنقرأ بعقلٍ منفتح، ولنقبل على الحياة بروح استطلاعية، ولنضع في اعتبارنا أننا ربما، ونقول هنا “ربما”، لسنا على الصواب دائماً.
لنحاول تأمل الواقع من منظور مختلف، فلعل للحقيقة وجهاً آخر.
خاص لــ (هات بوست)