لا أحد يعلم ما الذي يدور في رأس هذا السلطعون؟ تفكر، بينما يزحف بقشرته الصلدة إلى كهفه الآمن المعتم بين صخرتين. لا أحد يعرف كيف رسمت الأمواج على رمل الشاطئ، تلك النقوش التي تشبه هيئة الأشجار بجذوعها وفروعها وورقها، والتي تظن للوهلة الأولى أن ريشة نحات هي التي حفرتها. لا أحد يعرف لمن آثار الأقدام التي طبعت على الرمل، وما كان يجول في بال صاحبها وهو يمشي بخطى سريعة قبل شروق الشمس.
ثمة الكثير من الأسرار هنا، لا تعرف حقيقتها إلا الطبيعة، التي تنظم دورة السلطعون وأفكار الناس وحركة الزبد. يبدو شاطئ “برج العرب”، المسمى “ذا بيتش”، موطئاً للكثير من النقوش والبصمات التي يتركها روداه العابرين، الباحثين عن متعة سباحة أو تأمل، عن نكهة الملح أو رائحة الصدف، عن بساطة المتعة أو أناقة المشهد، حيث الشمس ترسل ذهبها على أيقونة الضيافة العالمية الذي اتخذ شكل شراع، ويبحر منذ أكثر من عقد في دنيا الفخامة.
أيضاً من يأتي البحر، يأتي مع سره. مع أحاسيس تختلج في صدره، يحملها للموج، ومنه يستمد الطاقة والطمأنينة: “البحر يشفينا”، يقول جايفنكا السريلانكي، من دون أن يفصح عن كامل التفاصيل المتعلقة بحكايته: “أتردد على هذا الشاطئ منذ أكثر من 14 سنة.
كان شيئاً آخر، تغيرت معالمه، انتشرت المقاهي والمطاعم، تمددت مساحات المشي والركض، بات هناك خدمة واي فاي مجانية، وتمركزت عربات الطعام.. لكنه لم يفقد سحره”.
ويفصح: “لدي صلة شخصية مع هذا المكان. هنا أخبرتني زوجتي للمرة الأولى أنها حامل، وأن الله سيرزقنا بهديتنا المباركة على الأرض”، يقول ويصمت. من دون أن يزيد تفاصيل عن الزوجة والابن. يعود لمتابعة رياضة “اليوغا” الخاصة به.
السيدة الإنجليزية خطاها سريعة. تبدو بقميصها الأبيض وشعرها المنسدل وهي تسير في ظل تل الرمل شاهق الارتفاع، كأنها خارجة من لقطة سينمائية. تلك اللقطة التي تسبق كلمة “النهاية” حيث تكون البطلة قد أتمت رحلتها واتخذت قراراتها.
لقطة ساحرة وغامضة مثل ذلك الغموض في عيني كريستا من الفلبين: “هذا المكان أحبه. أحب العيش في دبي والعمل فيها وأستمتع مع أصدقائي بمشاهدة شروق الشمس”.
تتجمع “الشلة” لكي تلتقط صورة جماعية مميزة. يرتفع صياح الأصدقاء وصخبهم. كلٌ يريد أن تبدو الصورة على طريقته. يتفق الجميع على لقطة “القفز”. يقفزون ويلتقط لهم صورة وهم جامدين في الفضاء وورائهم يظهر “برج العرب” شامخاً ببنائه الجميل.
على الرمل، وليس معلقاً، يفضل الشاب الباكستاني الأميركي محمد، أن يتمدد. يحاول أن يستمتع قبل أن تسخن عين الشمس: “بشرتي حساسة للشمس الحامية، لذلك أفضل أن أسبح في باكر الصباح. الشاطئ رائع، ولا يقل روعة عن الشواطئ في فلوريدا حيث أعيش”.
فلوريدا تبدو بعيدة من هذا المكان، من سواحل الخليج العربي، لكن الشمس واحدة، مهما تباعدت الجغرافيا. هذا ما يؤمن به عطية، من مصر، الذي يتردد مع أصدقائه إلى الشاطئ للعب كرة القدم: “مهنتنا تستدعي العمل طوال الليل، وفي الصباح نحرك أجسادنا لكي نتمكن بعد الرياضة من الحصول على نوم هانئ”.
سيد أيضاً ينتمي إلى فرق كرة القدم، لكنه أكثر احترافاً ولا يدحرج المستديرة.. مجاناً. لكنه هنا يواجه مأزقاً.. “بعد زيارتي لمصر كسبت وزنا كبيراً، وصلت إلى 97 كيلوغراماً، غضب مني المدرب وقال أنت في إجازة إلى أن تفقد وزناً.. الشاطئ هنا فتح لي ذراعه لإنجاز المهمة. أتمرن كل صباح”.
كل صباح يتمرن السلطعون أيضاً كيف يجمع الدفء من الشمس ويرمي عنه برد الليل أو رطوبته. وكيف حين يشعر بخطر الاقتراب منه يلوذ بالفرار. الجميع هنا، بشر وكائنات، لديهم ما يتعلمونه وما يعلمونه لك.. منذ شروق الشمس!
المصدر: البيان