كاتب وصحفي سعودي
شاركتُ أخيراً في ملتقى الإعلام العربي في دبي، والتقيتُ زملاء وأصدقاء صحافيين من البلاد العربية كافة، جمعتهم دبي تحت قبة واحدة في لقاءات ونقاشات تتركّز على هموم الإعلام العربي. في كل عام يحضر الملتقى عدد كبير من الإعلاميين، بينهم صحافيون مشاغبون ولامعون ورصينون وانتهازيون، وأيضاً من جماعة الـ«شو أوف»!
المهم أن اللقاءات تجمع صحافيين من مشارب عدة، وهذه ميزة تحسب لملتقى دبي، علاوة على التقاء من تتفق معهم فكرياً، وتختلف معهم مهنياً، أو من تتفق معهم مهنياً وتختلف معهم فكرياً، ويكفيك أن تتعرّف على الوجوه الإعلامية القديمة والجديدة والمتجددة، بمن فيهم من «دماغه بيضاء – فارغة» كما يقول المصريون.
كان من ضمن محاور الملتقى جلسة بعنوان: «سورية بعد ١٠ سنوات»، شخصياً انتقدتُ العنوان والجلسة، لأن سورية تحت النار وأطفالها يُقتلون، وشعبها نازح، و«الشبيحة» و«حزب الله» يعيثون فيها كرهاً وبطشاً وقتلاً، والزملاء الإعلاميون يناقشون وضعها بعد 10 أعوام، بدلاً من البحث في كيفية مساعدة شعبها، وتسليط الضوء على محنته وعلاج أطفاله وعدم القفز بالسؤال بعيداً عمّا يجري على الأرض، والوضع الراهن المميت!
خرجتُ من الملتقى، وكانت الصحافية الأميركية ماري كولفن أول من حضرني من الأسماء الإعلامية التي تستحق أن تذكر خلال تغطيتها الشجاعة للثورة السورية، وحتى مقتلها على يد «شبيحة» الأسد.
عدتُ لقراءة آخر ما كتبته في الـ«صانداي تايمز» البريطانية من قلب سورية، وفي ضراوة بطش قوات الأسد التي فتكت بالأطفال والنساء في حمص، خصوصاً في بابا عمرو، فوجدتُ عناوين آخر تقاريرها الصحافية من سورية كالآتي:
• في بابا عمرو… «نحن نعيش الخوف من مذبحة»
• طبيب بيطري هو الأمل الوحيد للمصابين في سورية!
• حمص: القنابل تسقط كالمطر… ليس عليك سوى أن تصلي
للإعلام أعداء.. للإعلام أصدقاء.. وأعداء الإعلام أكثر من أصدقائه، والتصنيف العالمي الأخير لحرية الصحافة الصادر عن «مراسلون بلا حدود» وضع الدول العربية في مراتب متأخرة جداً، لذلك «حدّث ولا حرج»!
قبل نحو 16 شهراً، قُتلت المراسلة الحربية لصحيفة «صانداي تايمز» البريطانية الصحافية الأميركية ماري كولفن التي سبق أن نجت من مخاطر الحروب التي غطتها في الشيشان والبوسنة وغزة وبيروت وسيريلانكا وليبيا وأخيراً في سورية، إذ فاضت روحها بسلاح «شبيحة» بشار الأسد، كما كانت فقدت إحدى عينيها أثناء تغطيتها اشتباكات في سيريلانكا منذ 11 عاماً. «العُصَابة» التي تغطي عينها نتيجة إصابتها في الحرب بين الجيش السنهالي ونمور التاميل عام 2001 في سيريلانكا أضحت ملمحاً مميزاً لها في عالم الصحافة البريطانية والعالمية، إذ أصيبت بقنبلة قذفها نحوها جنود الحكومة، فجُرحت بأربع شظايا في الكتف والصدر والفخذ والعين.
– عُرفت بمهاراتها في الإبحار والسباحة، وكانت تزمع اختراق الحصار على ليبيا بيخت خطّطت لقيادته من مالطا.
– عملت في صحافة لندن منذ أكثر من 25 عاماً، ولم تكن معروفة في صحافة موطنها (أميركا)، بل اشتهرت بما تكتبه في صحف بريطانيا. وحصلت على جوائز عدة عن مقالاتها وتحقيقاتها وأخبارها الخاصة في «صانداي تايمز».
– أبلغت كولفن «سي إن إن» الليلة السابقة لمقتلها بأن النزاع في حمص هو أسوأ نزاع قامت بتغطيته، ووصفت بلغة بليغة كيف كان الجيش يمطر المدينة بكل ما يملك من أسلحة، وكيف كان القناصة على سطوح البنايات يزهقون أرواح الشعب بلا تمييز بين النساء والرجال والأطفال والشيوخ.
– كانت مهتمة للغاية بالكتابة عن محنة النساء والأطفال في الحروب.
– ولدت ماري كاثرين كولفن العام 1956 في بلدة خليج أوسترلي بولاية نيويورك، وتزوجت ثلاث مرات، لكنها لم تُرزق بأطفال.
مذ مقتلها إضافة إلى صحافيين آخرين، ولجنة التحقيق الدولية التي كلّفها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تحقق في ما يحصل في سورية، ولكن الأمر يزداد سوءاً، والعالم أجمع يفشل في حماية الشعب السوري، على رغم أن اللجنة الدولية تؤكد أن قوات الأسد المدعومة بقوات إيران «حزب الله» و»الحرس الثوري» ارتكبت انتهاكات خطرة وكبيرة، وأن نظام الأسد ضالع في «جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية»، وأن قتل أطفال سورية يتم بطريقة وحشية ممنهجة.
العالم يعجز ويفشل ويجبن عن إنقاذ الشعب السوري في محنته حتى الآن، والملتقى قفز بنا إلى سورية ما بعد 10 أعوام، ما جعل هناك علامات تعجب وتعجب! قلت لبعض الزملاء: حبذا لو ناقش القائمون على الملتقى الواقع الوحشي في سورية، وسيناريوهات اللحظة الراهنة، أو تطرقوا لشجاعة ماري كولفن ليتعلم منها الإعلاميون العرب «المترفون» والمنظرون بالأقوال لا بالأفعال، أو على الأقل فضحوا حقيقة «شبيحة» الإعلام الذين ينافقون نظام الأسد وأضداده في الوقت نفسه!
المصدر: صحيفة الحياة