نظمت الإدارة العامة لحقوق الإنسان في شرطة دبي ورشة “استشراف المستقبل في مكافحة الاتجار بالبشر” في نادي ضباط شرطة دبي بحضور نخبة من القضاة والضباط والإعلاميين والخبراء في مجال مكافحة جرائم الاتجار بالبشر من مختلف المؤسسات العاملة في الدولة، وذلك بالتزامن مع الأسبوع الخامس لدبلوم مكافحة الاتجار بالبشر الذي تنظمه شرطة دبي للعام الثاني على التوالي بالتعاون مع معهد دبي القضائي واللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
وكانت الورشة قد انطلقت بعرض فيلم قصير شارك في إعداده كل من معهد دبي القضائي، ووزارة العمل، واللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، والقيادة العامة لشرطة دبي، وخدمة الأمين بدبي، وتم خلاله شرح ماهية جريمة الاتجار بالبشر، وحجم هذه التجارة اللاإنسانية في العالم، وأسباب حدوثها واستعرض كافة صورها وأشكالها، والعواقب الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية التي تنتج عنها.
وألقى العميد الدكتور محمد المر، مدير الإدارة العامة لحقوق الإنسان بشرطة دبي، كلمة الافتتاح، رحب فيها بالسادة القضاة وزملائه والمشاركين من الجهات المختلفة، موضحا أن هذه الورشة تأتي بالتزامن مع الأسبوع الخامس لدبلوم مكافحة الاتجار بالبشر بهدف الدمج بين طلبة الدبلوم وبين نخبة من القضاة والخبراء والعاملين في مجال مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، مثنيا على هذا البرنامج المهني الذي يعد الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي، والذي يهدف إلى إعداد كوادر مهنية مؤهلة للتعامل مع جرائم مكافحة الاتجار بالبشر، وإكساب خريجي الدبلوم مهارات عالية وقدرات لمعالجة تلك القضايا والتمكن من التعرف على الضحايا والجناة.
وقال العميد المر إن هذا البرنامج يقدم معالجة علمية وحصرية لجرائم الاتجار بالبشر، الأمر الذي يمكن الخريجين من التعامل مع القضايا بحرفية عالية وبالتالي المساهمة في تعزيز جهود الدولة لمكافحة هذه الجرائم العابرة للحدود بكافة أبعادها القانونية والإنسانية والاجتماعية، إضافة لتقديم الدعم والرعاية للضحايا.
وبين العميد المر أن هذا البرنامج سيكون له الأثر العميق في تطوير قدرات خريجي الدبلوم ومهاراتهم العملية، وهو ما سينعكس بالضرورة على أدائهم في العمل، وسيمكنهم أيضا من مواجهة التحديات المستقبلية، والتمييز بين جريمة الاتجار بالبشر والجريمة الجنائية التي تندرج تحت طائلة قانون مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، مؤكدا أن إعداد هذا الدبلوم إنما يعكس التعاون المهني العالي مع الشركاء، والقدرة المهنية والكفاءة في أجهزة إنفاذ القانون في الدولة ولدى أفراد المجتمع المدني.
المستوى الأول
من جانبه، أكد الدكتور العميد محمد علي الشحي، نائب مدير إدارة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، في كلمته التي ألقاها، أن الإمارات كانت من الدول الرائدة في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وبذلت جهودا حثيثة لمكافحة هذه الجريمة ودعم الضحايا ورعايتهم، وقد تمكنت من الوصول إلى المستوى الثاني بين دول العالم في التصدي لهذه الجرائم، مضيفا أنهم يطمحون إلى الوصول إلى المستوى الأول مستقبلا عبر وضع خطة استراتيجية والتركيز على الأدوات والآليات التي من شأنها أن تدعم مكافحة هذه الجرائم.
وبين أن دولة الإمارات العربية المتحدة لطالما حرصت على تنفيذ كافة البنود والالتزامات التي تتضمنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، أهمها التقارير السنوية التي تصدرها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، مثنيا على الجهود الجبارة للتنسيق بين الجهات الحكومية وغير الحكومية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر.
دراسات استشرافية
بدوره، أكد الرائد فيصل بن بليلة، من الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي، على أهمية الدراسات الاستشرافية في مواجهة التحديات المستقبلية التي تواجهها الدول والشعوب، مبينا أن هذه الدراسات تزيد من القدرة المعرفية والفرص المستقبلية للدول، متطرقا إلى تاريخ الدراسات الاستشرافية، وأسباب وأهمية الاستشراف المستقبلي، وتأثيره على تحسين جودة التعليم والصحة واتخاذ القرارات المناسبة ودعم الابتكار والإبداع وغيرها، كما بين أهم الفروقات بين الاستشراف والتخطيط والركائز التي استندت إليها الإدارة العامة في استشرافها للمستقبل.
الأستاذة مريم الصابري، رئيس قسم استشراف المستقبل في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي، تناولت باستفاضة خطة الإدارة الاستشرافية، والمنهجية المتبعة وأهم الخطوات المتعلقة باستشراف المستقبل متمثلة في تحديد الإطار العام للاستشراف، وتحديد المحركات، والمحركات الحرجة، وتأطير وتوصيف السيناريوهات، وتحليل التداعيات الاستراتيجية ونوافذ المستقبل.
الإعلام وأدوات التواصل
كما تناول السيد بطي أحمد بن درويش الفلاسي، مدير إدارة الإعلام الأمني بشرطة دبي، دور الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي في مكافحة الاتجار بالبشر، متطرقا في بداية حديثه إلى أسباب المشكلة والنطاق العالمي لها وفقا لأحدث التقارير العالمية للأمم المتحدة، مستعرضا في الوقت ذاته الجهود المحلية الجبارة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر من خلال التشريعات والقوانين واتباعها للمعايير والإجراءات العالمية للتصدي لها.
كما تطرق الفلاسي إلى استراتيجية شرطة دبي في مكافحة جرائم الاتجار بالبشر وأهدافها في الوقاية والحد من الجريمة، والكشف عن الجريمة والقبض على مرتكبيها، وصون الحقوق والحريات، والاستعداد لمواجهة الأزمات والكوارث بفعالية عالية، وضبط أمان الطريق.
وقال الفلاسي إن الإعلام الأمني يستهدف فئات وشرائح عدة، كما أنه يستثمر الإعلام التقليدي والحديث الذي يشمل أدوات التواصل الاجتماعي ذات التأثير الفعال على كافة مناحي الحياة، في مكافحة هذه الجرائم، موضحا أن إدارة الإعلام الأمني حققت زيادة في نشر أخبار الشرطة عبر شبكات التواصل الإعلامي بنسبة 14%، وزيادة في مقاطع الفيديو بلغت 52% خلال 3 سنوات الأخيرة، ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي تصدرت قائمة أفضل وسائل الحصول على المعلومات، وذلك يعني ضرورة تكثيف الجهود والحملات عبر هذه الشبكات.
وبين السيد الفلاسي أن دور الإعلام الأمني يتمثل في التركيز على الجانب الوقائي لمواجهة التحديات المستقبلية، وتكثيف الحملات الإعلامية والتوعوية، ودعم كافة الجهود الوطنية المبذولة لمكافحة الاتجار بالبشر.
5 محاور
وتضمنت الورشة مناقشة المشاركين من 13 جهة حكومية لخمسة محاور، هي محور الوقاية، محور التعاون المؤسسي والدولي، محور الحماية، محور البحث والتحري، ومحور الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي.
وتطرق المشاركون في محور الوقاية إلى وسائل الوقاية من حيث التدريب والتأهيل للموارد البشرية العاملة في مجال المكافحة والتي تعد المرتكز الأساسي في التصدي ورعاية الضحايا، كذلك وسيلة البحث والدراسات والتي تعزز القدرات للإتيان بتوصيات علمية تسهم في منح الجرائم قبل ارتكابها بما فيها ذلك الدراسات الميدانية.
فيما تناول محور التعاون المؤسسي والدولي، والذي تتطرق المشاركون فيه إلى حتمية تعزيز التعاون الدولي نظرا إلى أن جرائم الاتجار بالبشر هي جرائم منظمة عابر للحدود، وهذا التعزيز يتم من خلال الاتفاقيات ذات الصلة بالمكافحة، وبالتالي السماح بنشر وتبادل المعلومات وتعزيز قدرات الدول.
وتطرق المشاركون في محور الحماية إلى القانون الاتحادي الذي اتخذته الدولة لضمان حماية الضحايا، وإصدارها للقانون رقم (1) لسنة 2015 بشأن تعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 51/2006، الخاص بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، وتضمن المحور كذلك الحديث عن دور مؤسسات إيواء وتوفير حماية للنساء والأطفال الضحايا وإعادة تأهيلهم وفقا لجملة من البرامج، وأخيرا دور الشرطة في التصدي الناجح لجريمة الاتجار بالبشر والقبض على الجناة.
أما محور البحث والتحري فقد تحدث المشاركون فيه عن أهمية تطوير أساليب الملاحقة والتعقب لدى جهات إنفاذ القانون لكشف جريمة الاتجار بالبشر ومرتكبيها، وذلك من خلال تنمية قدراتهم وتفعيل أدائهم، بما يمكنهم من اتخاذ الإجراءات اللازمة لجمع الاستدلالات المتعلقة بالعناصر التي تصلح لأن تكون أساسا في بدء التحقيق الابتدائي في جرائم الاتجار بالبشر.
واخيرا محور الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي الذي أكد المشاركون فيه على الأثر العميق لدور الإعلام في مكافحة هذه الجرائم، وإسهامه الفعال في توعية الناس بمخاطر هذه الجريمة وسبل تفاديها وأنماطها وصورها وكيفية التواصل مع الجهات المختصة، وسبل الوقاية من الوقوع ضحية لأفراد عصابات الاتجار بالبشر.
وخرج المشاركون في نهاية ورشة استشراف المستقبل في مكافحة الاتجار بالبشر بمجموعة من التوصيات والقرارات لدعم وتعزيز كافة الجهود.