
بعد أن كانت الخطّابة تجول بين البيوت حاملة دفترها المليء بالأسماء والصفات، وتَعِد العائلات بـ«عريس مثل القمر» أو «عروس لا يُرفض لها طلب»، تطل منصة «شريكي» في الإمارات بوصفها «خطابة ذكية» تحصي شروط الزواج بالأرقام، ليبدأ قرار الارتباط بشريك العمر بنقرة واحدة على زر «موافقة إلكترونية»، لتقلب مهنة الخطابة، الراسخة في الذاكرة الشعبية، رأساً على عقب.
وعوضاً عن الهمسات الخجولة في المجالس، جاءت خوارزمية صارمة لا تعرف المجاملة، تجلس خلف شاشة الهاتف، وتطلق حكمها بلا تردد: التوافق بينكما 87%.
مؤسِّس المنصة هو المواطن (أبونهيان) الذي فتح نشاطها أمام جميع الجنسيات، مع تحديد الضوابط الاجتماعية، تعزيزاً لخصوصية الأسر والمجتمع.
وأفاد (أبونهيان) لـ«الإمارات اليوم» بأن مشروع «شريكي» لم يكن قراراً سريعاً، بل ثمرة عمل متواصل استمر أكثر من عامين، بدأ مع مطلع 2023، حين شرع في استكمال جميع الإجراءات اللازمة للحصول على ترخيص رسمي لمزاولة نشاط خدمات مكاتب الزواج، وهو نشاط لا يُمنح إلا لمواطني الدولة، لما يحمله من خصوصية عالية تمس الأسرة والمجتمع.
وأضاف أنه بعد أخذ الموافقات من الجهات المعنية، افتتح مكتب «شريكي» لخدمات مكاتب الزواج في إمارة رأس الخيمة رسمياً، ليطلق البرنامج منذ ذلك الحين، ويُصبح أول منصة محلية مرخصة تعمل في هذا المجال عبر الموقع الإلكتروني للمؤسسة.
وأكد مؤسس المنصة أن الحصول على الترخيص لم يكن خطوة سهلة، بل مرّ عبر مراحل دقيقة، بدأت من دائرة التنمية الاقتصادية في رأس الخيمة المعنية بالتسجيل التجاري، قبل الانتقال إلى إدارة الخدمات المجتمعية في دائرة محاكم رأس الخيمة، الجهة المختصة حصراً بتنظيم وضبط عمل وسطاء الزواج ومنح الموافقات النهائية.
وأوضح أن اشتراط موافقة المحكمة ليس مجرد إجراء إداري روتيني، بل يعكس ثقة الدولة بأهمية أن يخضع هذا النشاط لإشراف قضائي مباشر، لأنه يتعامل مع قضية شديدة الحساسية، ترتبط بمصير الأسر واستقرارها.
وقال (أبونهيان): «أردت منذ البداية أن يكون عملي في إطار واضح ومرخص، يضع ثقة المجتمع فوق أي اعتبارات أخرى، لأن اعتماد المنصة رسمياً من محاكم رأس الخيمة ودائرة التنمية الاقتصادية هو تأكيد على أن نشاط (شريكي) يتم وفق ضوابط واضحة، تضمن توافقه مع الأعراف الاجتماعية والثوابت الدينية في الدولة».
وشرح أن «الزواج في مجتمعنا ليس مجرد عقد بين شخصين، بل بناء أسرة، ولهذا لابد أن تحترم كل خطوة فيه الخصوصية والقيم الراسخة»، مبيناً أن المنصة بها خصوصية عالية، وتحافظ على سرية المعلومات المقدمة من المشتركين، بحيث لا تطلب صوراً ولا تسمح بتبادل أرقام الهواتف أو المحادثات الخاصة فيما بين المشتركين وخارج الإطار الرسمي، بل تقتصر على تقديم البيانات العامة التي تساعد على تحديد نسب التوافق، ومن ثم الموافقات الإلكترونية التي تتم عن طريق لوحة التحكم لكل مشترك، فيما يبقى اللقاء النهائي وبعد الموافقة النهائية كما اعتاد المجتمع في بيت الأهل، وبحضور ولي الأمر أو الوصي على المرأة، حفاظاً على قدسية الزواج ومكانة العائلة.
وأضاف: «نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة تقنية حديثة، لكننا لا نتجاوز الأعراف الاجتماعية، بل نجعلها أكثر سهولة وتنظيماً، لأن هذه الخطوة فتحت الباب لاحقاً لتطوير البنية التقنية للمشروع، حيث أطلق الموقع الإلكتروني (WW.SHARIKI.AE) نهاية 2024 لاستقبال الطلبات إلكترونياً، والذي يعتبر أول نظام في دولة الإمارات، حيث يجمع بين البحث عن شريك الحياة وقوة الذكاء الاصطناعي، ليتم تقديم تجربة فريدة ومبتكرة للباحثين عن شريك حياتهم المحتمل، حيث يتم التركيز على التوافق وتحليل البيانات بشكل ذكي، مع الحفاظ على خصوصية المشتركين بشكل تام وآمن وفقاً للعادات والتقاليد في دولتنا».
وتابع أنه يجري حالياً تطوير تطبيق ذكي للهواتف، يوفر تجربة استخدام أكثر سلاسة، ويجعل خدمات «شريكي» متاحة لجميع الباحثين عن الزواج داخل الدولة وخارجها.
وعن عملية التسجيل في المنصة، بيّن (أبونهيان) أنها سهلة، وتبدأ من خلال الدخول إلى الموقع وتعبئة نموذج تفصيلي يحتوي على البيانات الشخصية والمواصفات الأساسية للمشترك، ثم تحديد التفضيلات والاشتراطات التي يرغب في توافرها في شريك حياته بدقة ووضوح.
وبعد استكمال هذه المرحلة، يتكفل نظام التوافق الإلكتروني المدعوم بخوارزميات ذكاء اصطناعي بمعالجة البيانات وتحليلها، لمطابقة الصفات والرغبات بين الملفات المختلفة، والخروج بنسبة توافق دقيقة قد تصل إلى 90%، وتالياً تعرض النتيجة على الطرفين، بحيث يتم تثبيت الخيار من خلال «الموافقة الإلكترونية» قبل الانتقال إلى مرحلة الرؤية الشرعية والإجراءات الرسمية.
ولم يقتصر نشاط «شريكي» على الموقع الإلكتروني، إذ أسس تسعة حسابات رسمية على منصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخداماً، مثل «إنستغرام»، و«تيك توك»، و«فيس بوك»، و«إكس»، و«سناب شات»، و«يوتيوب»، و«لينكدإن»، إلى جانب قناة على «تيليغرام» وأخرى عبر «واتس أب»، مؤكداً أن الهدف من هذا الحضور الرقمي هو «تسهيل الوصول للعملاء، وتقديم محتوى توعوي يرفع من الوعي بأهمية استخدام القنوات المرخصة في التوفيق بين الأزواج».
وشرح (أبونهيان) أن فريق عمله يقوم بدور رقابي للتأكد من جدية البيانات وصحتها، ثم يعرض الخيار على الطرفين عبر لوحة التحكم الخاصة بكل مشترك في الموقع، وبمجرد أن يضغط كل طرف على «الموافقة الإلكترونية»، تعتبر خطوة رسمية لإقرار الرغبة المتبادلة في المضي نحو الزواج من الطرف الذي تم اختياره، وذلك بعد الاطلاع على ملفه التعريفي، وبعض التفاصيل، من دون الإفصاح عن البيانات الشخصية للأطراف، على أن تظل خطوة «الرؤية الشرعية» في بيت الأهل، وهي المرحلة الأساسية قبل استكمال الإجراءات.
وبيّن (أبونهيان) أن المكتب لا يتوقف عند الرؤية الشرعية فقط، بل يتابع ملفات المشتركين بعد مرحلة التوافق، للتأكد من نجاح التجربة وإتمام الزواج فعلياً، بحيث يتم إعطاء كل طلب أقل من 14 يوماً لمتابعة التوافق والاتفاق على الزواج من عدمه.
ويرى (أبونهيان) أن أحد أكبر التحديات الاجتماعية اليوم هو ضيق دوائر التعارف، مقارنة بما كان سائداً في الماضي، حين كانت المجالس العائلية والجيران يلعبون دوراً محورياً في التوفيق بين الأزواج.
وقال: «يعيش كثير من الناس في مدن كبيرة، أو في بيئات عمل ودراسة لا تمنحهم فرصة التعرف إلى من يناسبهم للزواج، ما يدفع بعضهم إلى اللجوء لتطبيقات عشوائية وغير مرخصة، تعرّضهم لمخاطر الاستغلال»، لافتاً إلى أن «شريكي» جاءت لتملأ هذا الفراغ، من خلال تقديم منصة رسمية آمنة، تستفيد من التحول الرقمي والاستخدام الأمثل للتقنية في الدولة، وتعمل على تقليل الجهد وتوفير الوقت للمشتركين، من دون التخلي عن الهوية الثقافية أو تجاوز القوانين، مؤكداً أن المجتمع بحاجة إلى قنوات موثوقة للتعارف بغرض الزواج، تحمي الشباب والفتيات من الاستغلال، وتقدم لهم بديلاً محترماً يعكس صورة الإمارات في تبني الحلول الرقمية التي تراعي قيمها.
وحول رسوم التسجيل، أوضح أن قيمة الاشتراك رمزية، محددة بمبلغ 1099 درهماً تدفع لمرة واحدة، وتشمل أربع محاولات توافق إلكتروني، ولا يلغى ملف المشترك أبداً إلا بعد استنفاد المحاولات الأربع، ولا توجد مدة زمنية لإلغاء الملف، لكن المعمول به لدى معظم العاملين في هذا المجال أن الملف الذي لا يتم التعامل معه يلغى بعد ثلاثة أو ستة أشهر من تسجيل طلب البحث عن شريك الحياة، لافتاً إلى أن الهدف من فرض الرسوم هو قياس جدية المشتركين الذين يبحثون عن الزواج، وتغطية المصروفات التشغيلية للمؤسسة، مؤكداً في الوقت ذاته أن المكتب يطرح خصومات متكررة خلال المناسبات الوطنية والأعياد، إلى جانب خصومات أخرى للشركاء الاستراتيجيين الذين يدعمون المشروع، منوهاً بأن الحالات الإنسانية تعفى من الرسوم إذا تبين أن ظروفها المادية لا تسمح لها بسدادها، على أن يدفع مبلغ 100 درهم إلى إحدى الجمعيات الخيرية المسجلة بالدولة لإخراج المبلغ باسم الأزواج الذين يكتب لهم التوفيق عن طريق المكتب لتكون صدقة وعملاً خيرياً لهم.
وخلال فترة عمله، واجه (أبونهيان) مواقف وصفها بـ«المفارقات الطريفة» التي تعكس تنوع الطلبات والطباع، منها حضور أب يرغب في تزويج ابنته وعاملته المنزلية في الوقت ذاته، إضافة إلى رجال ونساء يصرون على إيجاد وإتمام الزواج خلال أقل من 24 ساعة، مشيراً إلى أنه يتم التوضيح بأن الزواج ليس عملية سريعة، بل يتطلب التأني والصبر للحصول على الشريك المناسب، لأن عدم الاستفادة من الخدمة بالشكل المطلوب ليس من أهداف المؤسسة، فالزواج مبني على توافق مبدئي، وبعدها رؤية شرعية ورضى تسبق أي خطوة رسمية لتحقيق الزواج السعيد.
وحول الجنسيات المشاركة، أوضح (أبونهيان) أن باب التسجيل في المنصة مفتوح أمام جميع الجنسيات من دون استثناء، مؤكداً أن نسب المشتركين من الذكور والإناث متقاربة، مع وجود إقبال متزايد من الطرفين على حد سواء، على أن تتم زيادة في التسجيل من المشتركين بعد إطلاق تطبيقات الهواتف الذكية.
ويقر صاحب المشروع بأن التحدي الأكبر يكمن في كون الفكرة جديدة نسبياً على المجتمع، لأنها غير موجوده، ويعتبر النظام فريداً من نوعه، إضافة إلى استمرار النظرة التقليدية إلى استخدام مثل هذه المواقع واللجوء إلى مكاتب الزواج، التي تجعل كثيرين يعتمدون على المعارف العائلية قبل البحث عن وسائل أخرى، لكنه يرى أن التطوير المستمر هو سر النجاح، ويقول إن «المرحلة التي نصل إليها ليست محطة توقف، بل بداية لتطوير جديد، حيث نعمل حالياً على إطلاق التطبيق الذكي تزامناً مع (مبادرة عام المجتمع) ليكون بمتناول الجميع عبر الهواتف، ونسعى لتوسيع قاعدة المستفيدين على مستوى المنطقة، لتعزيز التلاحم المجتمعي، ودعم الروابط الأسرية».
رسالة اجتماعية
وجّه (أبونهيان) رسالة مجتمعية، قائلاً إن مشروع «شريكي» لا يُعنى فقط التوفيق بين الأزواج، بل يحمل رسالة ومسؤولية مجتمعية، تحتم على الجميع المشاركة والمساهمة في رفع نسبة الزواج في الدولة، وحماية الباحثين عن الزواج من استغلال المنصات غير المرخصة، التي تخلط بين التعارف والارتباط الرسمي.
«أبونهيان»:
فريق عمل «المنصة» لا يتوقف عند الرؤية الشرعية، بل يتابع ملفات المشتركين بعد مرحلة التوافق للتأكد من نجاح التجربة وإتمام الزواج.
• «المنصة» شهدت حالة لأب يرغب في تزويج ابنته وعاملته المنزلية في الوقت ذاته.. ورجال ونساء يصرون على الزواج حالاً.
• «شريكي» منصة رسمية تستفيد من التحول الرقمي في الدولة من دون التخلي عن الهوية الثقافية أو تجاوز القوانين.
المصدر: الإمارات اليوم