كاتب إماراتي
كانت جريدة الخليج في بناية على شارع الوحدة، ويقع خلفها مسجد (كارفان) صغير في المكان الذي بُني فيه مسجد الأنصار اليوم، ومع حسن النوايا والقلوب الكبيرة في أواسط الثمانينات كان النظام هو أن يجتمع من لديه قضية بعد صلاة الظهر في المسجد ليحدثوا بها أحد الصحافيين العرب العاملين في الجريدة ويصلي هناك، ليقوم هو بعد يومين بنشرها في الصحيفة، نظام (خط ساخن) شعبي، كانت مشكلات تلك الأيام جميلة مثلها، وسهلة الحل.
يوجد في السوق مسدس يحمل نجمة، مدرس الرياضة يصر على إجبار الأطفال على ارتداء اللون الأزرق لأنه يعمل مساءً في (الليجر لاند)، وضع أحدهم العملة التذكارية من فئة (خمسة دراهم) المصكوكة بمناسبة القرن الهجري الجديد في كابينة اتصالات ولم تُعد الباقي إليه (لا أعلم ما الذي كان سيقوله لو شاهد فواتير هذه الأيام)، وما إلى ذلك من أقصى همومهم في تلك الأيام.
في ذلك اليوم كان التجمع واضحاً.. المجموعة التي كانت تنتظر الصحافي كانت تقترب من العشرة، ما يعني أن الأمر خطير فعلاً، والشكوى ليست على غرار (فأر في علبة حليب أطفال)، اقترب الطفل الفضولي منهم ليستمع، مازلت أذكر كلمات المشتكين عن قدسية الشهر الفضيل، وكيف أن شاريهان في فوازيرها قد تجاوزت كل حدود الأدب، وطلبوا من الصحافي، بشكل جماعي، نقل شكواهم لتنشر في الجريدة.
تذكرت الحادثة قبل أيام وعاد الطفل الفضولي، فتحت قناة اليوتيوب على الإنترنت وشاهدت بعض حلقات الفوازير المذكورة، بصدق، رأيتها تصلح للعرض في قناة المجد أو قناة الرسالة، لبس محتشم، حركات طفولية، أفكار جميلة وبريئة، لكن الحقيقة المرعبة تقفز دون مقدمات لتفسر ذلك الموقف القديم: معاييرنا الأخلاقية تتغير مع تغير الزمن.. لكّم تغيرنا!!
تذكر وأنت تشاهد ما يشاهده صغار العائلة اليوم، وحاول ربطه مع تصرفاتنا في الماضي تجاه ما كنا نتلقاه، تخفيض الصوت أثناء بث الأغاني الماجنة أو أثناء الأذان، تغيير القناة عند ظهور مشهد أو شبهة قبلة (لاحظ شبهة فقط)، كلها أمور اختفت من منازلنا أو كادت، ولكن الأمر لم يأتِ مباشرة، ولكن بتدريج وتسلسل لم نشعر به!
قصة أخرى ذكرتها لصورة احتفظ بنص الشكوى المقدمة على جرأتها في تلك الأيام على لوحة إعلانية في إحدى مناطق الدولة كانت الصورة عبارة عن حفل لمطربة إيرانية مشهورة في حينها.. رأيت الإعلان قبل أيام فبدا لي بأن أحد الأطفال قد أحضر صورة لملابس لا تمت للصورة الأصلية بصلة ووضعها فوق الصورة لسترها على طريقة الملصقات التي كانت تأتي مع العلكة المربعة الكبيرة، وعليك أن تلصق الملابس بالصورة عن طريق الشخبطة فوقها.
ولكن الصورة كانت أصلية تماماً، (الستاندارد) الأخلاقي الخاص في داخلنا هو ما تغير، كنا نراها صورة سيئة، والآن نراها صورة محتشمة!!
.. ويبقى العود.. ما بقي اللحاء!!
المصدر: الإمارات اليوم