تتكرر كل عام حوادث نسيان الأطفال في الحافلات والمركبات، قد تختلف في بعض تفاصيلها، ولكنها في النهاية واحدة ومؤلمة. وقعت في العام المنصرم حادثتان في إمارة رأس الخيمة، الأولى نجت فيها طفلة عمرها «عام و4 أشهر» من الموت بعد أن نسيها والدها في السيارة 9 ساعات، وتوفي طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات نسيه والده في المركبة ثلاث ساعات.
يقول رائد عبد الله علي محمد بيشوه، رئيس الإنقاذ البري في الإدارة العامة للنقل والإنقاذ في دبي: «إن الإحصائيات الصادرة عن الإدارة أظهرت 99 حالة نسيان للأطفال خلال الأشهر التسعة الماضية، وهو رقم ليس هيناً، وقد تمكنا من إنقاذهم جميعاً، إلا أن معظم الأطفال الذين تم إنقاذهم كانوا في حالة إغماء»، مضيفاً أنه بحكم أن الإمارة تحتضن نحو 202 جنسية، لكل منها تقاليدها وعاداتها وقيمها وطريقة مختلفة في معالجة الأمور، يحدث الكثير من التجاوزات، ولكن لابد من وجود قوانين صارمة تمنع البعض من الاستهتار بالأرواح، فكيف يترك أب طفله في المركبة لساعات في دولة تتجاوز حرارتها 45 درجة مئوية.
وأشار إلى أن ترك طفل داخل المركبة يؤدي إلى إصابته بصدمة حرارية، إذ سرعان ما ترتفع درجة حرارة الطفل ويحدث جفاف وتقلصات، ثم وفاة، مؤكداً أن درجات الحرارة المرتفعة خلال فترة الصيف داخل مركبة مغلقة تكفي للقضاء على الطفل خلال 40 دقيقة، علاوة على أن الخطورة تكمن في أن درجة حرارة جسم الطفل ترتفع خمسة أضعاف أجساد الكبار.
صدمة حرارية:
وقال: إن هذه تعود إلى نسيان الطفل في مقعدة عند الترجل من المركبة أو تسلل بعض الصغار إلى المركبة خلسة للعب وعدم قدرتهم على المغادرة أو تواري الطفل داخل صندوق المركبة أو الحقيبة.
وأكد أن وجود الطفل داخل المركبة خطر حقيقي ومفزع بحد ذاته، حيث إن درجة الحرارة خلال أيام الصيف وحتى في حال ترك النافذة مفتوحة قليلاً ترتفع بمعدل سريع لتصل إلى 50 و60 درجة مئوية، مما يؤدي إلى إصابة الصغير بصدمة حرارية تفضي إلى الوفاة.
حزمة قوانين
وقال أحمد عبد الشافي، مستشار قانوني أول، قسم الجرائم المالية في أحد مكاتب المحاماة، إن مشروع قانون حماية الطفل فيه نصوص قريبة من النصوص الأوروبية، لافتاً إلى أن قانون نص العقوبات المعمول به لا يعطي حماية كاملة للطفل، ورغم صدور حزمة من القوانين ذات الصلة بحماية الطفل، فإنها لم تصل بعد إلى الحماية الكاملة بنسبة 100%، لأن هذه القوانين تعاقب أهالي الأطفال الذين يتعرضون للإهمال الذي يفضي إلى الموت بعقوبة بسيطة أو تعفيهم منها نهائياً، وفق مبدأ أن الألم النفسي الشديد الذي يصيبهم من وفاة فلذات أكبادهم يكفيهم بدلاً من عقابهم كبقية الجناة، ولكن يجب تغليظ العقوبات عليهم حماية لأرواح أولادهم الصغار.
وأكد المستشار القانوني وخبير شؤون الطفولة في اليونيسيف يوسف الشريف، أنه لا يوجد أب يتعمد الضرر بابنه إلا إذا كان شخصاً شاذاً أو غير مسؤول أو فريسة للمخدرات، مما يجعله غير مسؤول، وفي الحالات الطبيعية من المحال أن ينسى أب عامداً متعمداً بنسيان فلذة كبده في «مركبة ستتحول بعد أقل من ساعة إلى فرن».
وقال أحمد حمد ولي أمر: «الحادثة الأخيرة التي وقعت للطفلة نزيهة مروعة، وموجعة للقلوب، فكل ولي أمر يضع نفسه في مكان والد أو والدة تلك الطفلة يصاب بالرعب والهلع كل يوم عند توجه أبنائه إلى المدرسة، خوفاً من أن يقع لهم حادث مشابه، وهذه المآسي تتكرر بين فترة وأخرى، وتؤدي إلى وفاة أطفال أبرياء. وقالت ندى علي، ولية أمر: «إدارات المدارس والمناطق التعليمية مسؤولة عن أمن أبنائنا خلال رحلتهم اليومية من وإلى المدرسة، وعليهم تقع كل المسؤولية، خاصة فيما يتعلق بتعيين مشرفين ومشرفات وسائقين أكفاء.
وأكدت مريم أمين «ولية أمر»، ضرورة تدريب الأبناء من خلال التعاون مع الجهات الأمنية والإدارية في المدرسة وأولياء الأمور على كيفية التصرف إزاء تعرضهم للموقف الصعب ووجودهم بمفردهم في الحافلة، من خلال تدريبهم على التوجه إلى مقعد السائق والضغط على بوق الحافلة، ومحاولة فتح النوافذ الأمامية التي على السائق أن يتركها مفتوحة في حال وقوف الحافلة بشكل مستمر.
إدارات المدارس:
وقالت عائشة منذر، نائبة مدير مدرسة بالشارقة: بمجرد علمنا بالحادثة المأساوية، أمرت الإدارة بعقد اجتماع عاجل مع مسؤولي المواصلات والمشرفات بالمدرسة، لمناقشة أسباب الحادث وسبل تفاديه في مدرستنا، فضلاً عن عرض طرق وممارسات وقائية، يمكن للمدرسة أن تتخذها لمنع هذه الحوادث.
وأضافت: «اقترحنا أساليب جديدة تسهم في تحقيق الأمن والسلامة بشكل أكبر للطلاب والطالبات بالمدرسة، والتأكد من خلو الحافلات من أي طفل دخل في غفوة وسقط تحت مقاعد الحافلة بحيث لا تراه المشرفة، وذلك من خلال توزيع لوحات على مشرفات الحافلات توضع في مقدمة الحافلة تؤكد خلو الحافلة من أي طالب عند توقفها.
ظاهرة عالمية:
تعد ظاهرة نسيان الأطفال في مركبات ذويهم ظاهرة عالمية، ففي إيطاليا ترك والد ابنه الطفل في السيارة، حيث كان من المفترض أن يوصله إلى الحضانة ليجده بعد ذلك ميتاً في المركبة التي تحولت إلى فرن بدرجة حرارة تصل إلى 60 درجة!
مهندسات مواطنات يبتكرن نظاماً أمنياً لحماية الأطفال
ابتكرت ثلاث مهندسات مواطنات خريجات كلية التقنية العليا في الفجيرة، وأعضاء في نادي الفجيرة العلمي، نظاماً أمنياً لحماية الأطفال داخل السيارات، وطالبن بضرورة فرضه على جميع السيارات العائلية والحافلات المدرسية في الدولة، لمنع الحوادث المترتبة على نسيان الأطفال داخلها . ويكشف النظام الإلكتروني عن وجود طفل داخل السيارة من خلال رصد الأصوات والحركات، بعد إغلاق محرك السيارة وأبوابها، فيقوم النظام بشكل آلي بتشغيل مكيّف السيارة، وإرسال رسالة نصية إلى الوالدين بغرض التنبيه. وفي حال عدم وجود تجاوب من الأب أو الأم، يعطيهم مهلة نصف ساعة، وفي حال عدم التجاوب، يبعث النظام برسالة نصية مرفقة بموقع السيارة إلى الجهات المعنية لإنقاذ الطفل من الاختناق. والنظام يعمل أيضاً على فتح زر الأمان الخاص بالسيارات الحديثة التي تحتوي على نظام إغلاق كامل، يمنع فتح الأبواب من الداخل بعد إغلاق السيارة، كما يرسل رسالة نصية إلى الأب والأم تخبرهما بوجود الطفل في السيارة.
مواصلات الإمارات: تطوير إجراءات الأمن والسلامة
حول سبل السلامة والوقاية في الحافلات المدرسية، قال عبدالله بن سويف الغفلي، المدير التنفيذي لدائرة النقل المدرسي في مواصلات الإمارات: «نسعى إلى تطوير الأنظمة والإجراءات الكفيلة بضمان توفير نقل آمن ومنتظم ومستدام، وملتزم بمعايير السلامة والراحة لجميع الطلبة المنقولين على مستوى المدارس الحكومية والخاصة في مدن ومناطق الدولة، حيث نلتزم بتطبيق خطة استراتيجية وتشغيلية ترتكز على تطوير العمليات المنفذة والخدمات المطبقة من خلال تحقيق نتائج استثمارية عالية، وأداء تقني يفي بتوقعات المتعاملين، من خلال زيادة نسبة الحافلات المدرسية المطابقة للمواصفة القياسية الإماراتية، ونسبة الحافلات الذكية الآمنة بنظام التعقب الإلكتروني، كما تستهدف الخطة منع وقوع حوادث حافلات النقل المدرسي الحكومي وغيرها من المؤشرات».
نصائح مهمة
قدم رائد عبد الله علي محمد بيشوه، رئيس الإنقاذ البري في الإدارة العامة للنقل والإنقاذ في دبي، حزمة من النصائح للأهالي بشأن، قائلاً: «يجب عدم ترك الصغار في المركبة، وهي مغلقة ولو لفترة قصيرة، خصوصاً في فصل الصيف».
وطالب بضرورة التأكد من إغلاق المركبة وعدم وجود أحد بها وتحذير الأطفال من اللعب داخل المركبة، وتركيب آلية لفتح حقيبة المركبة من الداخل تحسباً لوجود أحد بها.
ودعا إلى إخراج الأطفال من المركبة أولاً، ثم المشتريات، وفي حالة فقدان طفل يجب البحث عنه في جميع أرجاء المنزل، مع التأكد من عدم وجوده داخل المركبة أو صندوقها. والاتصال بالجهات المعنية في حال مشاهدة طفل في مركبة مغلقة.
ورداً على من يعتقد أن ترك الطفل في مركبة مكيفة يحمي الصغير، أكد بيشوه أن هذا الفعل يقلل ارتفاع درجة الحرارة، ولكنه نفسه أمر ليس آمناً، حيث قد يحاول الطفل العبث بالمركبة لذا ينصح بأخذ الأطفال من المركبة أثناء التوقف، ولو كان ذلك لدقائق معدودة.
تحرير الأمير، لمياء الهرمودي ـ (دبي، الشارقة) – الاتحاد