كاتبة سعودية
“ماما.. باباااا”.. نداااااؤك يأتي على أسماعنا جميعا.. يتسلل إلى ذاك الضمير الذي يقبع في أعماق سحيقة أعمق من تلك البئر التي احتضنتك! نسمعه جيدا بكل ذاك الخوف الممزوج بالبرد وقرص تراب يحف جسدك الضئيل ودميتك؛ هل حقا يا لمى كان الظلام دامسا جدا وليس من بصيص نور يأتي من الأعلى سوى ما يأتيك من ربّ السماء رحمة؟! كيف كانت يا صغيرتي نبرة أصواتهم من الأعلى؟! هل سمعتهم فعلا.. سمعتِ وقع أقدامهم.. حفاراتهم.. أصواتهم وهم يخططون لإخراجك؟! أم سمعتِ فقط قلب والدك وأنين أمك وهما يناديانك حبا وحنانا! هل حقا كانت دميتك أكثر رحمة بك منّا؟ تبا فحتى هذه التي تؤنس وحدتك انتزعناها من يديك!
“لمى” يا صغيرتي تُرى ما معنى الانتظار المخيف وجسدك ينبض بالحياة لا يجد فسحة في ذاك الضيق! ما معنى مضي أكثر من 15 يوما وروحك تحوم فوق رؤوسهم والتراب يهمس لجسدك بوقع أجسادهم من فوق رأسك! ترى من هم الذين فوق؟! نحنُ يا لمى فوقك.. أم أنتِ فوقنا؟! ما معنى الصبر يا صغيرتي؟ ما معنى الجوع يا صغيرتي وبينك وبين قطع البسكويت والحلوى وعبوات ماء يرميها أبوك الحنون مجرد “شعرة”!! ما معنى وقع قطرات المطر يا لمى.. ما معنى البرد.. الخوف.. الأنين.. الوجع.. ما معنى التعب الذي شعرتِ به وهؤلاء فوقك كي يخرجوكِ لتكوني شاهدة علينا؟ شاهدة على قلوبنا التي أتعبها انتظارك حيّة تُرزق وبات انتظارنا لجسدك أكثر وجعا؟ شاهدة على عجزنا.. على ضعف إمكاناتنا.. على عشوائيتنا.. على اللامسؤولية في عدم وضع لافتة تكلف القليل من الريالات؛ تضعها جهات يُقال إنها “مسؤولة” حماية لك!! شاهدة على سلة “القضاء والقدر” التي باتت حجة لمن لا يقدر قيمة الحياة بإهمال وضمير بخس!!
هلا علمتنا النداء.. معنى النداء في صوتك المخنوق من جوف بئر حفرها من حفرها ليغتال براءتك.. طفولتك.. أحلامك!! أتعلمين يا لمى.. بينك وبيننا “شعرة”.. تقبع في ضمير سحيق كما البئر العميقة التي ابتلعت جسدك الضئيل!! ضمير من يُتاجر بك كي يترزق شهرة ومالا دون مراعاة حق أبيك وأمك وأهلك المفطورة قلوبهم عليكِ! فذاك راقٍ يتسلق عليكِ ويقول إن الجن خطفوك بعيدا!! وتلك شركة تطلب الملايين كي تخرجك! وآخر مفسر للأحلام يبيع وهم الغيب لمن يتعلقون بقشة ويغرقون! يقول إنكِ شرق تلك البئر! يا ترى من هو الذي يقع شرق تلك البئر يا لمى.. أنتِ ودميتك؟ أم نحن جميعا ومعنا تلك الإشاعات والمتاجرات الرخيصة حتى بعض المغردين يا صغيرتي في “تويتر” باتوا يتاجرون بك كي يحصلوا على “الرتويت” بما يحملونه من إشاعات وصور لأخريات بريئات؟!
لمى يا صغيرتي: اسخري كما تشاءين.. اضحكي علينا كما تشاءين.. فنحن نستحق.. وكيف لا وليس بين الضمير “الميت” والمكان الذين يحفك في جوف ذاك التراب سوى مجرد “شعرة”!
المصدر: الوطن أون لاين