محمد خميس
محمد خميس
كاتب إماراتي

شكوى لا تعبر عن شكوى

آراء

خاص لـ هات بوست:

     مع مرور الوقت، يُصاب الإنسان بما يمكن تسميته “تبلّد الامتنان”، حين يتعايش مع مستوى من الرفاه والراحة حتى يصبح المألوف في حياته أمرًا عاديًا لا يُقدّر، بل وقد يتحول إلى مادة للشكوى. وفي الإمارات، يتجلى هذا التبلد بوضوح؛ إذ كثير من المقيمين يتذمرون من تفاصيل صغيرة، بينما يغفلون عن الأساسيات التي يبحث عنها ملايين البشر حول العالم.

فعندما تسأل أحدهم عن منغصات يومه، تتوقع أن تسمع عن مخاوف مرتبطة بالأمن، أو عن مصاعب معيشية حادة، أو عن خدمات عامة تعاني البيروقراطية، لكن القائمة غالبًا ما تبدأ بالازدحام المروري، وتمر بارتفاع طفيف في أسعار بعض السلع، وتنتهي عند تأخر المقاول في تسليم المنزل الجديد، بل قد يشكو البعض من تعطل تطبيق حكومي لثوانٍ، أو من نفاد بطارية الهاتف خلال تجديد الرخصة على التطبيق.

     هذه “الشكاوى” ليست سوى انعكاس لحياة تتوافر فيها الأساسيات بشكل كامل، حتى أصبح الهامشي محور الحديث.

     والحقيقة أن مجرد وجود بنية رقمية تتيح للمقيم إنهاء معاملاته بضغطة زر، دون طوابير، ودون أوراق، ومن منزله، هو تحول جذري لا تزال كثير من الدول تسعى إليه، وقد عشتُ شخصيًا هذا التحول حين جددتُ رخصة الشركة التي اعمل فيها، من على أريكتي، بينما كنت أتابع مسلسلًا على “نتفليكس”.

     وليس من المصادفة أن تغدو الإمارات وجهة عالمية للاستقرار، فالناس لا يختارونها لمناخها أو أنهارها، بل لأنهم يجدون فيها ما هو أثمن: وضوحًا في القوانين، جودة في الخدمات، احترامًا للخصوصية، وأمانًا لا يختلف عليه اثنان، وقد لخّصت الممثلة الأمريكية لينزي لوهان الأمر حين تحدثت عن أسباب إقامتها في الإمارات، قائلة: “القانون الواضح، احترام الخصوصية، والأمان.”

     الخلاصة أن التفاصيل الصغيرة التي تُثير ضيق البعض ليست إلا انعكاسًا لبيئة مكتملة الملامح، وعندما يصبح أكبر هموم الفرد هو الزحام أو الهاتف، فهذا دليل على أن الأساسيات بخير، وأن الصورة الكبرى أكثر إشراقًا مما يظن.