حذر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، مما وصفه بـ«المؤامرة الاستعمارية»، مشيراً إلى أن ما تشهده مناطق متعددة في العالم العربي تشكل مؤامرة ترعاها قوى دولية تحاول إعادة الاستعمار بمفاهيم جديدة، مستخدمة سلاح التناحر المذهبي، مستشهداً بالأحداث في سوريا، واليمن والعراق.
وأوضح فضيلته في خطاب وجهه للمسلمين من العاصمة الإندونيسية جاكرتا، أمس، أن التشجيع والدعم الذي منحته تلك القوى للفرق المذهبية المتناحرة في سوريا، والعراق يؤكد أن ما يحدث مخطط له، لإحداث فتنة تتيح للدول العظمى إعادة استعمار الوطن العربي، أو السيطرة عليه، وحفظ مصالح تلك الدول وحلفائها في المنطقة
وحذر فضيلته من محاولات خلق خلايا «مذهبية» في الدول العربية وعدد من الدول الإسلامية، مما يشكل تهديداً خطيراً، واعتبر تلك الخلايا نواة وبؤر إرهاب لا يمكن السماح بنموها، مؤكداً أن اليمن، وسورياً، وغيرهما من الدول العربية عانت من تلك الخلايا التي ترعاها دول إقليمية تتمسك، وتصر على إحداث حرب مذهبية في المنطقة لن تخدم إلا القوى العظمى.
وأكد فضيلته خلال زيارته إلى مركز الدراسات القرآنية بجاكرتا، أن الوحدة بين المسلمين بات ضرورة ملحة بشرط ألا تستغل هذه الوحدة من هذا الطرف، أو ذاك من أجل نشر أجندات سياسية وطائفية.
ووجه فضيلته نداء طالب فيه المسلمين بعدم الانجراف إلى دعوات الفرقة والتعصب المذهبي المذموم، مطالباً بإيجاد آليات فاعلة في التواصل مع الشباب المسلم وتوعيتهم بمخاطر الفكر المتطرف.
وأضاف فضيلته: «لقد قررنا مع مجموعة من الحكماء والعلماء المخلصين تشكيل «مجلس حكماء المسلمين لإطفاء الحرائق التي أشعلتها الصراعات الطائفية والمذهبية في منطقتنا العربية والإسلامية دون غيرها، لافتا إلى أن مجلس الحكماء أرسل 16 قافلة سلام إلى قارات العالم المختلفة للتواصل مع الشباب وتوعيتهم بمخاطر الفكر المنحرف وان المرحلة الثانية من هذه القوافل ستنطلق خلال الشهر المقبل».
وطالب فضيلته سفراء الدول العربية بالتدخل لدى قادة الدول التي ينتمون إليها للعمل على إنهاء النزاعات وحل المشكلات وألا يقتصر دوركم على إبداء الرأي فقط، مؤكدا أن الأمل معقود عليكم في العمل على إنهاء الكثير من هذه النزاعات.
وقال د. الطيب: «هناك أزمات عديدة في عالمنا المعاصر، على صعد السياسيَة والاقتصاد، ومنها أزمة الأمن أقسى تلك الأزمات، وافتقادُ السَّلام وشيوعُ الفوضى والاضطراب، وسيطرةُ القوَّة»، معتبراً إلصاق الجرائم الوحشية بالدين يعد وصفًا قاصِرًا، وتدليسا يزدري العقول والأفهام ويستخف بالواقع والتاريخ.
وقال: «إن بعض أتباع الديانات الأخرى مارسوا باسم أديانهم، وتحت لافتاتها، وبإقرار من خواصهم وعوامهم، أساليب من العنف والوحشية تقشعر منها الأبدان، مستشهداً بالحروب الصليبية، والحروب الدينية في أوروبا، وقال: ألم تكن هذه الحروب «إرهاباً» ووحشيَّة، ووصمة عار في جبين الإنسانية على مر التاريخ!!».
وأضاف أن الانحراف الذي حدا بقلة قليلة من المنتسبين إلى الإسلام لارتكاب هذه الفظائع، التي أنكرها عُلَمَاء المسلمين ومفكروهم حدث مثلها بل أضعاف أضعافه في الأديان والمِلَل الأخرى، وشجع عليه رجال الأديان وباركوه. وأوضح أنه لا يمكن الصمت عما يحدث الآن للمسلمين من قتل وإبادة جماعية وتهجير قصري في ميانمار، وسط صمت مخجل من المؤسسات الدولية المعنية، التي أناطت بها مواثيقها وقوانينها أمر الحفاظ على أمن الإنسان وحقه في الحياة، كما لا يمكن الصمت عما يعانيه المسجد الأقصى من احتلال وتهويد وتغيير لمعالمه الإسلامية.
وإذا كانت بعض المؤسسات الدينية الغربية، قد سمحت لنفسها مناشدة العالم الآن لحل ما أسمته مشكلة اضطهاد المسيحيين في الشرق، وذلك رغم ما يؤكده الواقع من عيش مشترك وسلام متبادل بين المسلمين والمسيحيين الشرقيين، وأن ما يقع على بعض المسيحيين من اضطهاد وتشريد وتهجير في الآونة الأخيرة؛ يقع أضعاف أضعافه على مئات الآلاف من المسلمين الذين هلكوا هم ونساؤهم وأطفالهم في القفار والبحار، هربا من الجحيم الذي يلاقونه في بلادهم، أقول: إذا كانت بعض المؤسسات الدينية الكبرى في الغرب قد سمحت لنفسها أن تطلق هذا النداء، فإني – بدوري أناشد عقلاء العالم وحكماءه وأحراره لحل مشكلات اضطهاد غير المسلمين للمسلمين في الشرق وفي الغرب أيضا، حتى يتحقق الأمن ويَعُمَّ السلام، وتَنعمَ الإنسانيةُ شرقا وغربا.
المصدر: صحيفة الاتحاد