على السادة الركاب ربط الأحزمة استعداداً للهبوط في مطار أبوظبي الدولي، فور سماع هذا النداء تحسس السعودي سلطان القحطاني حزامه فوجده مربوطاً في وضع الأمان، ثم نظر من النافذة يتأمل المحيط الخارجي، وعقله يحاول أن يتخيل هذه المدينة الحلم التي أضحت وجهة للناس من كل أقطاب الأرض «حضارة المستقبل وعراقة الماضي»، وبعد دقائق وجد نفسه وسط الركاب، وهم يهبطون من مدرج الطائرة فوجد وجوها مشرقة تبتسم للركاب تعبر لهم بلفتات بسيطة عن حفاوة الاستقبال أنهى إجراءات الدخول سريعاً ويشكل لم يكن يتخيله، توجه إلى خارج المطار ليستقل سيارة أجرة تقله إلى فندق شانجريلا وفي أثناء هذه الرحلة القصيرة أدار حواره الهادئ مع سائق «التاكسي»، الذي كان لحسن الحظ من إحدى الجنسيات العربية؛ فقال له «من وجهة نظرك ما الذي يميز أبوظبي الإمارة المتألقة عن غيرها فقال له هي بلد لا مثيل لها لا أستطيع وصفها لأنها هي خير من يعبر عن نفسها». آثر أن يعيش لحظات الصمت وهو يواصل النظر من النافذة حتى عبرت جسر المقطع فرأى جامع الشيخ زايد الكبير يقف في شموخ وصورته تنعكس على الماء في جلال وجمال، ولم تطل السيارة في قطع المسافات حتى وصل إلى الفندق فوضع حقائبه، وحاول أن يغفو لكن صورة المسجد بقبابه الذهبية ظلت تداعب خياله إلى أن ذهب في نوم عميق.
استيقظ سلطان القحطاني من نومه إثر صوت هاتفه الجوال حاول أن يتسلم للنوم لكن الهاتف لم يتوقف عن الرنين فمد يده اليمنى في بطء حتى التقط الهاتف. وأجاب بصوت متقطع، لكنه فور سماع صوت صديقه الإماراتي حمد الحوسني انتبه، وطلب منه أن يأتي إليه فوراً فإنه في شوق إلى زيارة مركز جامع الشيخ زايد الكبير، حيث قرر أن يجعله وجهته الأولى في أبوظبي خاصة أنه بعد انقطاع دام سنوات عن زيارة الإمارة لم يذهب من قبل إلى مركز جامع الشيخ زايد الكبير.
عتاب الذكريات
لم تمض ساعة من الزمن حتى وصل الحوسني إلى الفندق فوجد القحطاني، مرتدياً ثوبه الأبيض وشماغه الأحمر خرج كلاهما من الفندق وفي السيارة دار بينهما حوار حميم تخلله عتاب رفيق فالحوسني لم يرضه غياب صديقه كل هذا الوقت عن أبوظبي، وفي أثناء الحديث الحلو توقفت السيارة أمام مركز جامع الشيخ زايد الكبير فخرج من السيارة القحطاني مسرعاً، وهو يخف إلى الجامع في شوق بدا واضحاً في نظرة عينيه. وتبعه الحوسني وفور أن اقترب من السلالم الرخامية التي تتوسطها نوافير المياه والجامع يلوح شيئاً فشيئاً بين أعمدته الشامخة إلى أن وجد نفسه في وسط الجامع؛ فشعر بإنخطاف في القلب وهو يقف في باحة المركز الكبيرة. والحوسني يراقبه من دون أن يتوفه بكلمة، وآثر ألا يتحدث له عن أي شيء في المسجد. إلى ذلك، قال القحطاني هذه المسجد يجمع كل التراث الإسلامي القديم والحديث في بقعة واحدة وظلت أقدامه تسحبه الأمام، وهو يطيعها حتى وصل إلى المصلى الكبير، وكان المؤذن حينها يرفع آذان المغرب ظل بصره شاخصاً إلى الأعلى، وهو يتابع الزخارف الموجودة في السقف والثريات التي تتدلي في جمال عجيب، ثم نزل ببصرة إلى الأرض فأطال النظر إلى السجاد الأخضر، الذي توزعت فيه أيضاً العديد من النقوش التي كان لها سحر آخر لا تستطيع العين أن تقاومه، وبعد صلاة المغرب حرص القحطاني على زيارة مكتبة الجامع، التي تعج بصنوف شتى من الكتب والمجلدات الضخام وأكمل جولته في ربوع الجامع حتى بعد صلاة العشاء، وفي أثناء عودته إلى الفندق قال لصديقه إن أبوظبي تحتفي بالعمارة الإسلامية. وتدعو العالم إلى التعرف على الحضارة الإسلامية بطريقة عملية هو ما يجعل ذلك في ميزان حسنات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
كورنيش وجزيرة
توقفت السيارة عند كورنيش أبوظبي خرجا الصديقان من السيارة ليمارسا هوياتهما المفضلة بالسير في رحاب كورنيش أبوظبي، وتهللت أسارير القحطاني؛ فقال لصديقه «لا يزال الممشى يتمتع ببهائه القديمة والبحر يواصل غناءه الشجي ويرسل نسماته العليلة». فرد عليه الحوسني «الكورنيش مقصد كل جنسيات العالم وهو ملاذهم لكسر الرتابة في فصول السنة الأربع». ومرا على الكاسر، وزارا القرية التراثية، وتلمسا معاً خطى الأجداد في حياتهم القديمة وعلى الرغم من الحديث بينهما تشعب فلم يتركا شيئاً من الذكرى إلا وتحدثا فيه إلا أن جولة هذا اليوم حطت رحالها، وفور وصول القحطاني إلى الفندق ودعه الحوسني وعلى الرغم من انتهاء يومه، إلا أن جولته لم تنته فذهنه لا يزال مشدوداً وقلبه مأخوذاً وعقله في يفكر غده الذي يود أن يراه في ومضة عين.
وفي صباح اليوم التالي استيقظ القحطاني مبكراً على غير عادته وهاتف صديقه الحوسني، الذي تعجب من هذا النشاط، الذي اعترى صاحبه فجأة فجعله نشيطاً فحزم حقائبه وذهب إلى فندق سانت ريجيس، وألقى حقائبه في حجرته الجديدة وانطلق إلى مدينة فراري والمنتجعات السياحية وياس ووتر وولد «المدينة المائية». وفي العودة مرا على جسر خليفة الأيقونة المعمارية الجديدة، وتناولا معاً العشاء في قصر الإمارات في ركن يطل على الخليج العربي حيث النجوم المتلالئة حيث الأجواء الشتوية الخلابة إذ إن أبوظبي في هذه الأيام تعد مزاراً سياحية لكل قاصدي المتعة والدفء والاسترخاء.
«هاشتاق» و«مغردون»
يقول القحطاني، الذي يعمل كاتباً صحفياً في السعودية «منذ أن وصلت مطار أبوظبي وأنا أنظر إلى كل شيء بلهفة، فقد مضت سنوات طويلة، على آخر زيارة قمت بها إلى أبوظبي. وفور الخروج من المطار بدأت أتحسس جزءاً من ذاكرتي وأنا أرى أشياء كثيرة تغيرت، وأماكن كثيرة قد تحولت، وكأنني أعيش تفاصيل قصة قديمة تكتنفها عملية تطوير كبيرة هي الإضافة الرحبة التي تشهدها أبوظبي في الوقت الحالي».
ويضيف «آمنت بعد أن رأيت كل هذا الانبعاث الحضاري أن مستقبل الخليج سيكون في أبوظبي، وخصوصا أن الجانب الثقافي والاقتصادي الاجتماعي والسياحي وصل إلى قمة عالية. هنا مدينة تتقدم نحو المستقبل بهدوء وحضارة تحت قيادة حاكم ملهم وولي عهده الحداثي الذي يدرك تسارع العصر وتطوره ومتطلباته الحيوية».
ولم يسع القحطاني إلا أن يهمس لصاحبه الحوسني بأن الطراز المعماري للمشاريع الجديدة «مذهل وله بصمة مميزة تختلف عن أي مدينة أخرى»، إذ إن «الإنفاق ببذخ على أي مشروع أمر سهل جداً، لكن أن تجعل منه قطعة فنية تضيف لمسة للمدينة أمر بالغ الصعوبة وهذا ما نجحت فيه أبوظبي».
وحول «هاشتاق أبوظبي-أحلى»، الذي أطلقه القحطاني، يقول «جاءت هذه الفكرة بعد زيارتي الاخيرة إلى أبوظبي وأردت من الهاشتاق أن يكون المكان الذي يحتوي كل عشاق هذه المدينة في وقت واحد». حيث إن «أبوظبي هي المدينة التي يحضنها الماضي وتحتضن المستقبل».
واللافت فور إطلاق هذا الهشتاق تفاعل عدد كبير من المغردين فهناك من وصف أبوظبي بأنها «أحلى بشعبها الخلوق وحكومتها المخلصة وجمالها الأخاذ». ليصفها المغرد خليفة بن محمد بقوله «عاصمتنا تسحر كل من يزورها، عمار يا عاصمة الفخر». أما ريم المزروعي فقد قالت «أبوظبي هي بالنسبة لي عالم مصغر فيه من كل الثقافات والجنسيات».
ويعبر زايد الزايادي بقوله «من لم يزر هذه المدينة لا يستطيع أن يفهم معنى عشق أبوظبي». ويرى فراس «أن السماء في أبوظبي تمطر عشقاً». فضلاً عن العديد غردوا بكلمات مماثلة ربطوها بصور جميلة للإمارة.
محمد عبده: أبوظبي كل المدن في مدينة
ومن الفنانين السعوديين الذين لديهم هوى خاصاً لأبوظبي فنان العرب محمد عبده، الذي يقول «أبوظبي هي قطعة من القلب وجزء لا يتجزأ من نبض الروح، قضيت فيها أجمل الأيام فأصبحت الوجهة الأولى المفضلة لعائلتي، فيها نجد كل المدن العربية بعزها وشموخها وفيها نرى كل جمال الحضارة الإنسانية، فأبوظبي هي السفينة التي تبحر في القلوب، فترسو في اطمئنان على شواطئ الروح، وحين تتم دعوتي إلى حفل غنائي في أبوظبي تتبعني أسرتي في طاعة عمياء».
المصدر: فراس الجبريل – الإتحاد