خاص لـ هات بوست:
ستقول لي تحية الإسلام هي “السلام عليكم”، سأرد عليك هي تحية جميلة بلا شك، لكن كتاب الله يقول لك {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء 86) وإن كنا توارثنا في بلاد الشام “مرحبا” فلا بأس وعليك بقوله {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (النساء 94).
ستقول لي: حبذا لو تعلمت أحكام التجويد أولاً، سأقول لك فهم الآيات لا يتطلب تجويدها.
فهل تقبل التمعن ببعضها في عجالة، فقد أتاحت لنا مواقع التواصل الاجتماعي الاطلاع على الغث والسمين، والتعليق هنا وهناك، وملاحظة ما يبدر عن الناس من شتم وتهكم وإهانات، تحت راية الغيرة على الإسلام.
فإن وجدت صورة لإمرآة تعتبر أنت أن ملابسها غير محتشمة فحبذا لو حفظت لسانك، ولم تنعتها بأقبح الصفات بل تذكر قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور 4) فلا تتهمها أنها “غير محصنة” وتكن من الفاسقين، ولا تنسى قوله تعالى {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (الحجرات 12).
وباعتبار أننا في سورة الحجرات، وبعيداً عن مواقع التواصل، لعل من المفيد لك أن تتابع قراءة الآية السابقة: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (الحجرات 12) فلا تراقب جيرانك “الكفار” ودعهم وشؤونهم، ولا تذكر صديقك بما لا يرضاه إن لم تكن تصرفاته – برأيك – “ملتزمة” بما يكفي، ولتكن قساوة التشبيه “أكل لحم أخيك ميتاً” في بالك دائماً، حين تسول لك نفسك غيبة أحد ما.
وإذا كنت غيوراً على الإسلام فلا تسخر من أحد، وبالمناسبة لا تعتقد أن الغرب هو من بدأ اعتبار التنمر مذموماً، فنحن يفترض بنا معرفة أن الله تعالى قد نهانا عنه بجميع أشكاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات 11) وخصنا عز وجل نحن النساء بتوجيهاته ربما لأنه يعلم أن الضعيف قد يصبح أكثر تنمراً حين تسمح له الفرصة، ولذلك نحن كأمة برجالها ونسائهاغالباُ متنمرون، على ألوان البشر وأشكالهم واعراقهم ومهنهم، فرادى وجماعات، فهل نتعظ أم نكن من الظالمين؟
وفي المصحف أيضاً نجد آداب الطلاق، فعدا عن {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة 229) لفت الله تعالى نظر المطلقين أنهم كانوا زوجين يوماً ما {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة 237) بمعنى لا تتغاضوا عما كان جميلاً بينكم وتتذكروا السيء فقط وتنشروه هنا وهناك، بل حبذا لو ردعتنا أخلاقنا.
حتى دخول المنازل وآداب المجالس تطرق إليها كتاب الله، ربما قد يرى البعض آداب الاستئذان بديهية وكذلك المجالس، لكنها لم تكن كذلك في كل زمان ومكان، وما زال هناك من لا يقرع باب الغرفة الداخل إليها، ومن يتهامس مع صديقه في حضرة آخرين.
ثم هل استوقفتك ذات مرة هذه الآيات:{— أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران 133- 134)، فإذا كانت التقوى في كظم الغيظ والعفو عن الناس يمكنك القول أن الدين أخلاق حسنة وأنت واثق من كلامك، لا سيما إذا اقترن العفو بقلب الصفحة ونسيان ما كان من إساءة {– وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التغابن 14).
أشعر وأنا أخط هذه السطور وكأني معلمة للصف الأول الابتدائي، فاعذرني أيها القارىء الكريم، لكن بدا لي أننا، أنا قبل غيري، بحاجة بين الحين والآخر لنتذكر أن ديننا قوامه الأخلاق، ورسولنا الذي نتأسى به كان على خلق عظيم.
وعلى عكس الصورة النمطية التي تختزل الإسلام بأمور بسيطة تارة، كالحجاب والنهي عن شرب الخمر، وأخرى معقدة كتعدد الزوجات، وأخرى ترى فيه منبعاً للإرهاب، فالإسلام دين راقٍ، يشمل تحت مظلته كل من دعا إلى الله وعمل صالحاً، وإذ يدعو للخير يوجهه للناس جميعاً، وحري بنا نحن المسلمين المؤمنين برسالة محمد أن نقتنع بذلك قبل غيرنا، لنقدم صورة تصلح للاقتداء بها، تليق بهذا الدين كما أنزل لا كما حرّف عبر العصور، وتصبح من ثم “السلام عليكم” نابعة من القلب ومصدقة بالفعل لكل من ألقى لنا التحية.