كاتب وروائي إماراتي
من يتابع المحتوى العربي على تطبيق يوتيوب، يلاحظ أنه يحرص كثيراً على تلبية رغبات الشريحة الأكبر من الجمهور.. وهو أمر مفهوم جداً، ولا غرابة فيه.. فمن الطبيعي أن يحرص صناع المحتوى في كل مكان من العالم على إرضاء الجمهور، وبالتالي حصد ملايين وربما مليارات المشاهدات.. لأن في ذلك اتساع لنطاق أعمالهم، ومكاسب مادية لا حدود لها.
ليست هنا المشكلة، وإنما في النتائج التي ترتبت على هذا الحرص غير الرشيد، غير المحكوم بأي معايير إعلامية رصينة، بحيث أصبح الموقع، ومن يسير في فلكه من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، مَكباً لكل باحث عن الشهرة والثراء، فكما هو معلوم لدى الجميع، أن الشهرة هي الخطوة الأولى في طريق الثراء، وبدونها من الصعب أن تحصد المال من المحتوى الذي تقدمه، سواءً كان ذا قيمة، أو غير ذلك.. فالعبرة في عدد المشاهدات، لأن السوق الإعلاني يركز عليها قبل أي معيار آخر.
عبر التاريخ الإنساني بأكمله لم تقم لأي مجتمع قائمة إلا إذا أعلى من شأن العلم والعمل
قبل سنوات قليلة كنا نسمع عن أسماء نسائية من جنسيات معينة اشتهرت بالتنجيم وقراءة الأبراج، وكان الكثير من المشاهدين يتابعون على سبيل التسلية، وتزجية الوقت.. وربما بحثاً عن طمأنينة مؤقتة، وسنة بعد سنة ظهرت أسماء أخرى غير معروفة، ومن أكثر من دولة، وفي الآونة الأخيرة انضم إليهن مجموعة من الشباب في مشهد أقرب ما يكون إلى الكوميديا السوداء، التي تُضحك الإنسان من مرارة الواقع الذي يعيشه.
وبنظرة سريعة على المحتوى تصل إلى نتيجة يقينية مفادها أنهم يقدمون الوهم والآمال الكاذبة، وشيئاً من الطمأنينة غير القائمة على أي أساس علمي أو منطقي مقبول، وهنا تندهش من المتلقي المتلهف لاستقبال هذه المحتوى الرديء، أكثر من الصانع الذي يحاول التربح منه.
قد يقول قائل: هذه الأشياء موجودة منذ عقود طويلة، فما الذي تغير الآن؟
أجيب: العالم كله تغير، ومن الضروري أن يواكب الشباب العرب من الجنسين هذا التغير، وأن ينظروا للمستقبل برؤى متفائلة، تعلي من شأن العلم وتجعل من العمل والإنتاج قيماً مقدسة.
فعبر التاريخ الإنساني بأكمله، لم تقم لأي مجتمع قائمة إلا إذا أعلى من شأن العلم والعمل، وبدونهما يغرق في أوحال الجهل والفقر والتبعية.. وهذا ما لا نريده لشبابنا العربي الذي عانى طويلاً من مرارات الحروب والفتن، وآن له أن يهنأ بحياة سعيدة.
المصدر: الرؤية